وادي الحاجر يُحِبُّنا ونُحِبُّهُ

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

من الأودية الشهيرة في محافظة جنوب الباطنة بولاية الرستاق والتي يجري ذكرها على ألسنة الناس عذبة صافية زُلال لا كدر فيه ولا غبش، ويشتاق المطر أرضه بين الفيْنة والأخرى؛ فيُصافح جبالها الشّم ووهادها الطّم، وسهلها ورابيتها، وتسحّ أعين السحاب دموعاً غزيرة؛ فتخرج شعابها وتصب مرازيبها، ويُصبّحها الرعد ليجري معها حوارا ماتعاً نجد صداه مع جبالها، ويُمسّيها وميض البرق ليكون لها بدرٌ في الليلة الظلماء، هو وادي الحاجر بِقُراه العشْر التي يضمها في بطنه ويكتنفها برعايته، حِفاظا على قاطنيها بداية بقرية "السُّودي" التي تسكنها أسرة واحدة من قبيلة الفجراني، ويوجد بيت واحد لبني غافر.

ولعل تسمية (السودي) تعود إلى لون السلسلة الجبلية ذات اللون الأسود التي تحيط بعنق القرية مُشكّلة درع حماية للبلدة من أي هجوم خارجي، وتبعد عن شقيقتها الكُبرى (حاجر بني عمر) أكثر من اثني عشر كيلومترا، وانتهاءً بقرية (الغروة) والتي يقطنها قبيلة بني غافر، وأيضاً من بني كيوم، ولعل تسميتها جاءت من حُسنها وجمالها وكثرة مائها؛ فأُطلق عليها الغروة؛ لأنها تُغري الآخرين بزيارتها، أو أنّها غُرّة في جبين الدهر، حُذِف التضعيف وأبدل بواو أو غير ذلك، وما بينهما من القرى كقرية (فجري)، وتسكنها قبيلة بني غافر، ولا أعلم سبب تسميتها بهذا الاسم، وهل ثَمَّة علاقة بين اسم (فجري) وقبيلة الفجراني؟ ما زال البحث جاريًا، ولعلنا نصل إلى مقاربة تأنس لها النفس، وقرية ثالثة تُسمى (المحدوث) وتسكنها قبيلة المعمري وقبيلة الصالحي، وقبيلة السالمي وقبيلة المقبالي. وقد حمل هذا الاسم- أعني المحدوث- قُرى كثيرة في عُمان، ومحدوث اسم مفعول من حدث، وضده القديم، ولكن لا أُخفيكم سرّا بأنَّ أهالي قرية المحدوث خرجوا منها عن بكرة أبيهم، وهنا حُق لنا أن نطرح هذا السؤال البريء القادم من المحدوث: لماذا هذا الانتقال من قرية بأكملها؟!

ثَمّة أسباب وراء هذا الانتقال الجماعي، ولعل في مُقدمتها عدم وجود الخدمات الأساسية الضرورية التي يجب توفيرها لأي مواطنٍ عُماني ينتمي لهذا الوطن المعطاء كتعبيد الطريق المؤدي إليها وإلى القرى المجاورة لها، وأخشى ما أخشاه، أن تلحق القرى الأخرى القريبة منها، والتي في الأساس قد خرج نصف السكان منها، وتسلك طريق الانتقال نفسها إلى مكانٍ آخر للأسباب نفسها، بحثاً عن الراحة من شظف العيش وقسوة الطبيعة!! فهل ستمتد يد الحكومة الحانية الكريمة لتمسح عنهم غبار الزمن؟ وتمد لهم جسور الكرم؟ وتنظر إلى احتياجاتهم الضرورية بعين الجدية والأهمية والاعتبار؟ أجزم بأنَّ هذا الأمر لو وصل لصاحب القلب الكبير، فإنِّه لن يتأخر في تحقيق مطالبهم ورغباتهم من تعبيد طريقهم الذي لا يُكلف كثيراً، وتوطينهم في مساكن تليق بهم كمواطنين أكارم؛ فأكْرِمْ بالسلطان المُفدى هيثم وأنْعِم به!

أمّا البلدة الرابعة في وادي الحاجر؛ فهي قرية "الغبرة"، ولعل تسميتها جاءت من إغبرار المكان، عليها غبرة ترهقها قترة، ومن سكانها الأصليين قبيلة المعمري وقبيلة المقبالي، ولكن في هذه الفترة المساكن خالية من السكان.

أما البلدة الخامسة فهي بلدة (حاجر بني عمر)، أكبر قُرى الوادي والتي ترقد على ظهر جبل الشعْرة، وتمد رجليها لتلامس جبل الرابية ليُديم أهلها النظر والفكر في عظمة صنع الخالق، وقد نُسبت إلى قبيلة بني عمر التي تسكنها، ثم على مرمى حجرٍ منها تقبع بين رواسي الجبال الشاهقة بلدة ديسلي، ويُقال إنّ تسميتها تسمية فارسية، وهذا مؤْذِنٌ بتاريخها الضارب بجذوره في القِدَم، وتسكنها قبيلتان: قبيلة الفجراني وقبيلة السالمي،. وأمّا الجار الثاني لبلدة حاجر بني عمر؛ فهي قرية الظويهر، وهي تصغير لكلمة الظاهر، ضُمّ أوله وهو الظاء، وأُبدلت الألف واواً، وجُلِبت ياء التصغير؛ فأصبحت الظُويهر، وتسكنها قبيلتان: قبيلة الغافري، وقبيلة المعيركي، وعلى مقربة من قرية الظويهر نجد أنفسنا في قرية صَلْح، ولا أعلم لماذا سُمّيت بهذا الاسم، ولعل صُلْحا عُقِدَ فيها؛ فأُطلق عليها هذا الاسم، أو أنّها تسمية فارسية، وتسكنها سابقا قبيلة الحاتمي، والمعمري، والمقبالي. وامتدادًا للأسرة التي تسكن صَلْحا نجدها تسكن- أعني قبيلة الحاتمي- في بلدة (السُّوّاد)، طلائع قرية (الغُروة) السابق ذكرها.

إنني أدعو من هذا المنبر الراقي القائمين على إدارة شؤون الفِرق الرياضية، إقامة المناشط الرياضية والثقافية، ودعوة جميع الفِرَق للمشاركة والإنخراط فيها، ليقوى التلاحم ويزداد التماسك والتعاضد بين أبناء الوادي؛ لأنّ وادي الحاجر يُحبُّنا ونُحبّه من السودي الشمّاء إلى الغروة الحسناء.