السياحة الداخلية

 

 

يحيى الناعبي

 

في ظل ظروف الوباء وإغلاق الحدود، استطاعت بعض الدول أن تخلق من الإمكانيات والخدمات التي وفرتها للمقيمين عليها متنفساً وهامشاً قلل من حدة وقسوة الإغلاق، ولبس الكمامات ومحدودية السفر، ساعد ذلك على إنعاش الاقتصاد الداخلي. فمن أجل النماء الاقتصادي يجب أولاً التركيز على السياحة الداخلية، ومن ثم يأتي دورها لتعكس ذلك للعالم الخارجي.

عند النَّظر إلى برامج السياحة في السلطنة نجدها تستهدف السائح الأجنبي أولًا. ثانيا: تركز على الأماكن الأثرية والسياحة التاريخية والطبيعية. طبعاً ذلك أمرا ضروريا لا غبار ولا لبس فيه، لكن لم ننتبه إلى مثل هذه الظروف التي أغلقت بسببها الحدود، ولم يعد من السهل على السائح الأجنبي زيارة السلطنة بقصد السياحة.

هذا يُعيد انتباهنا للنَّظر حول تطوير المدن العُمانية لتصل إلى مرتبة أن تكون سياحية للقاطنين بها أولاً ثم للخارج. فهناك الكثير من مدن العالم السياحية التي يقصدها السيّاح من كل مكان في العالم بسبب خدماتها وتصميمها، ومرافقها السياحية جعلها محط أنظار المُقيم والسائح. هذه المدن صممت لتكون سياحية، واستغلال مواردها وإمكاناتها الجغرافية والتضاريسية بالشكل الذي يجعل السائح المحلي يستمتع بمقدراتها عوضاً عن السفر أحياناً، بينما السائح الأجنبي لا يمل من تكرار زيارتها.

آن الأوان أن تكون هناك نظرة إدارية مُمعنة لاستغلال جغرافية وطوبوغرافية المدن العُمانية؛ لتطوير خارطتها السياحية بالإضافة إلى كونها مدن إقامة. وهناك أمثلة كثيرة، فعلى سبيل المثال مدينة مسقط تحتوي على شواطئ جميلة، وتضاريس جبلية تطل على خليج عُمان في مشهد يلفت أنظار عالم الاستثمار لإقامة مشاريع ضخمة تجعل منها سياحية من الطراز العالمي، مما يُؤهلها لاستقطاب السياحة الداخلية والخارجية.

للأسف بعض المشاريع السياحية التي أقيمت غير مُتاحة للمواطن بسبب تصنيفها فوق مستوى دخل المواطن.

من خلال تجربة السفر للعديد من دول العالم ونقلاً عن تجارب الآخرين، بعض الدول تدعم السياحة الداخلية بما يتناسب مع معدل دخل الفرد، حتى لا تُصبح مدينة أشباح وتضطر إلى الاستغناء عن الكثير من موظفيها؛ بسبب قلة مرتادي هذه الأماكن الناتج عن أسعارها المرتفعة. بالتالي، قد تستطيع الحكومة توفير فرص استثمارية سياحية مشروطة، أو عبر آلية بحيث يكون للسائح المحلي فرصة استغلالها بما يتناسب ومتوسط الدخل عند الفرد. كي يفخر المواطن بمقدرات وطنه السياحية لابد أن تكون جزءًا من سياحته الداخلية.

لذلك فإنَّ هذا الفراغ الذي تشّكل بين السياحة الداخلية، وإمكانية السلطنة الجبارة في الجغرافيا والتضاريس السياحية، يؤثر على السياحة الخارجية. فمع وسائل التواصل الاجتماعية المتنوعة يجعل السياحة الداخلية تمثل دعاية حية ومتنوعة أكثر من التقارير الإعلامية وسيناريوهات شركات الدعاية والإعلان.

على مستوى المدن والولايات العُمانية المتعددة التضاريس والمناخ والاختلاف حتى في درجات الحرارة في الفصل الواحد بين شمال عُمان وجنوبها، وأيضا الولايات الشرقية عن ولايات الداخل تمثل أيقونة سياحية غير منقطعة النظير. فمثلا طريق الباطنة البحري هو وجه سياحي فريد، فقط يحتاج إلى استثمار خارجي، وضخ أموال لتغيير ملامح كل ولاية ويكون لها طابعها الفريد وتشجع على السياحتين الداخلية والخارجية.

إن رأس المال الداخلي لا يزال يخشى الثقة بالسياحة الوطنية، وإنشاء مشاريع سياحية محلية ومن ثم يكون وسيلة دعائية تشجع السياحة الخارجية، لكنه أدار ظهره بحسب الواقع. لذلك على الحكومة أن تفتح الأبواب للمستثمر الأجنبي؛ ليثبت لهم ماذا يعني إنماء وتطوير السياحة، بدلا عن زرع الخيم في الصحراء، وتوفير النقل البري والبحري للسياّح الأجانب فقط.

طبعًا لو تناولنا الحديث عن صلالة فهي نموذج آخر غني للسياحة الداخلية والخارجية، ولكن للأسف، حتى الآن لم يستطيع أحد فك اللغز لماذا بعد خمسين عامًا من قيام الدولة الحديثة وهذه المدينة لا تزال غير مستعدة للسياحة الداخلية قبل أن نتحدث عن السياحة الخارجية حتى على مستوى المرافق الصحية البسيطة. نتمنى لو تكون هناك دراسات استطلاع تبين سبب عدم استغلال هذه المدينة لتكون عالمية وليست فقط إقليمية. لقد أثبت الواقع أن مدناً زرعت في قلب الصحراء وأصبحت حديث القاصي قبل الداني في عالميتها، على الرغم من مقدراتها التضاريسية المتواضعة!

يُقال إنه قد تم تقسيم الأماكن السياحية والصناعية على هيئة إقطاعيات خاصة، وبارك الجميع ذلك بانتظار إقامة المشاريع عليها، لكنها هبَّة ناقصة الحظ.