هل تأخّرنا في نظام الصرف الصحي كثيرًا؟

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

عندما نتأمل مسيرة التطوير في السلطنة، نشعر بالفخر حيال ما تحقق من منجزات في البنية الأساسية: شبكة الكهرباء وصلت إلى أبعد القرى، والمياه الصالحة للشرب أصبحت في متناول معظم المواطنين، وشبكات الهاتف والاتصالات يجري تطوير بعض ما فيها من ضعف، غير أنها وبشكل عام تغلغلت في كل زاوية من زوايا الوطن. ومع ذلك فإن هذا التقدم المتسارع لم يصاحبه تطور موازٍ في واحدة من أهم ركائز التنمية المستدامة والصحة العامة: نظام الصرف الصحي.

السؤال الذي نطرحه اليوم، ليس من باب النقد السلبي، بل من باب التقييم والمساءلة الهادفة: هل تأخرنا فعلًا في تطوير شبكة صرف صحي وطنية متكاملة؟

بلغة الواقع، لا تزال معظم مناطق السلطنة -بما فيها بعض المدن الكبرى ومنها مسقط- تعتمد على أنظمة صرف صحية فردية، كخزانات التحليل (septic tanks)، ما يخلق تحديات بيئية وصحية معقّدة، خاصة في ظل الاعتماد المستمر على المياه الجوفية كمصدر للشرب والزراعة. هذه المياه أصبحت عرضة للتلوث بفعل تسرب المخلفات، ما يطرح سؤالًا آخر أكثر إلحاحًا:

هل هناك زيادة في معدلات بعض الأمراض المرتبطة بهذه الممارسات؟

 

نحن بحاجة إلى دراسات وطنية ميدانية دقيقة، ترتكز على بيانات حقيقية من وزارة الصحة ووزارة البلديات والبيئة، تُظهر لنا الارتباط المباشر بين واقع الصرف الصحي الحالي، ونمط انتشار بعض الأمراض، خصوصًا في المناطق التي تفتقر إلى بنية صرف صحي متطورة.

إن التأخر في هذا الملف لا ينعكس فقط على الجانب الصحي، بل يُعيق كذلك عمليات التخطيط العمراني والتوسعات المستقبلية، فغياب شبكة صرف متكاملة يعني تغييبها أيضًا عن خرائط البنية الأساسية التي تُعتمد عند رصف الطرق، أو مدّ الكابلات، أو التخطيط للمناطق الصناعية والتجارية.

ولعل الأهم من ذلك كله، أننا بحاجة إلى خطة واقعية وطنية للصرف الصحي، تُراعي النمو السكاني المتزايد، والتوسع الحضري، والمناخ، ونمط حياة المجتمع، وتُدرج ضمن أولويات التنمية لا كمشروع ترفيهي، بل كضرورة حياتية. نريدها خطة طردية مع بقية التطورات التي نشهدها: في التعليم، والصحة، والطاقة، والتقنية، والطرق.

نأمل أن يكون هذا المقال صوتًا ضمن أصوات كثيرة تنادي بأن تكون شبكة الصرف الصحي في موقعها الصحيح من جدول التنمية الوطنية، لا في هوامشه، فالتحضّر لا يُقاس فقط بما نراه فوق الأرض، بل بما هو تحتها أيضًا.

وإني شخصيًا، فتحت هذا الملف بالصوت والقلم في مراحل سابقة كثيرة غير أنه يبدو لي أن المفهوم العام لمعرفة حجم هذا الملف لم يصل إلى أصحاب القرار كما نتمنى.

إن خوفي الكبير من مفهوم الصحة مقابل المال، ننظر إليه بحساب وهمي غير دقيق، فمثلًا مرض أو إعاقة إنسان يقابلهما الصحة والمال، فقد نكون نعالج أمراضا بالملايين، يقابلها مشروع بمئات الآلاف، فكيف إذا أضفنا صحة وكرامة وسمعة وطن.

أتمنى أن نقرأ هذا الفكر برؤية استراتيجية شاملة.

الأكثر قراءة