ناصر أبو عون
سواءً أكانت اللقطةُ مقربةً أو بعيدةً، فوقيةً أو منْ تحتِ الكادرِ للمشهدِ "الموسومِ" بـ"الشعريّ" افتراءً وتجنيًّا وبُهتانًا؟ ستقع عيناك- عند التدقيقِ في التفاصيلِ الدقيقةِ على "فوضى عارمةِ"، أو "فوضى خلّاقةِ مُتعمّدةٍ"- مع عدم الاعتذارِ لكونداليزا رايس صاحبةِ المُصطلحِ- داخلَ كواليسِ "العالَمِ الأزرقِ"..
سيصدمُك الواقعُ الافتراضيّ في تويتر وأخواته، وستتجولُ عبر صفحات تعجّ بفيض من الجماعات الفنيّة والشعريةِّ، تنتمي إلى تكتلاتً "غيرِ رسميّة"؛ تمردًا ونكايةً وانقلابًا على الاتحاداتِ الرسمية والمعترف بها حكوميًا ودُوليًا، اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي "مقرًّا"، ومن الثقافة مطيّة، وتطوّح- صباح مساء- شهادات الإبداع ودروع التفوق وبراءات الابتداع، على من "هبّ ودبّ"، وتحتفي بصاحب القصيدة اللولبية، والمطولة الشعرية البهيّة، وتوصي بطباعة وتوزيع ودعم ديوان ربّة الشعر المصون، وملكة جمال الحرف المكنون.
عزيزي المُتشاعر، وصديقتي المستشعرة، ليس الشِّعر روزنامة من الأوزان يتمُ تكديسُها في مخزن الذاكرة لاستدعائها بـ"الأمر المباشر"؛ فتقفز على أسطر الكراساتِ، وتلمعُ على أسطحِ شاشاتِ الهواتف الجوّالة، فتبهر البنين والبنات، وتأسر قلوب الفتيات الفاتنات.
ليس الشِّعر قافيةً تجرُّ المعنى من ذَيلهِ إلى حافةِ الجدول فتسري في العقلِ خمرةٌ، فَسَكْرَة تُفقِدُ الكلمات صوابها، وتسلبُ من البحورِ اتزانها، وتتراقصُ على إيقاعِ النبرِّ ألوانها، ليس الشعر يا- ربّات الحرف والجمال- صورةً مكرورةً مألوفةً، نائمةً في بطونِ الشواهد والمتونِ وحواشي أُمّهات الكُتبٍ العتيقِة، يستدعيها المتشاعرُ المغرورُ لِتقِفَ في حضرتِه، وتوقظَه كلَّمَا سقط في بئرِ نشوته.
ليس الشعر- يا ربّ الحرفِ الألمعيّ- فكرةً ماجنةً أو شطحةً مجنونةً فقدت عقلَها على حين غفلةِ من الكاتب، وسرحت في البرية ترعى على أكوامِ المزابل، وليس الشعر عاطفةً هائجةً، ولا شُعورَا حائرًا، ولا حِسَّا مُهتاجًا، ولا غريزةً فائرةً، وليسَ الشعرُ- يا ساكني العالم الأزرق- تراكيبَ موسيقيةً مرصوصةً كأوراقِ الدومينو تنطحُ رؤوسَ بعضِها بعضًا على طاولةِ المقهى وتستلذُ بصيحاتِ اللاعبين الغاضبين.
ليس الشّعرُ- أيُّها الساهر في صوامعِ المتصوفين- قرآنا مُنزهَّا عن كل نقصِ، وليس نصًّا مُقدسًا ومتطهرًا من كل رجسِ، وليس إلهامًا وأحاديثَ نفسِ، وليس الشِّعرّ- أيها التائهُ في دروبِ العاشقين- تُرهاتِ مجانين، ولا هَمهماتِ مشعوذين، ولا طلسمات سحرةٍ ودجّالين.
الشعر- يا سادةَ الحرفِ- كائنٌ حيٌّ يمشي على الأرضِ؛ بل روح الشاعرِ التي تخرجُ من جسدِه وتجالِسُه وتسامره؛ وتحِلُّ في جسد الكلمات فتُبعَثً من تحتِ الأجداثِ حيّةً تَسعى؛ الفكرة رأسُها، والصورةُ جسمُها، والموسيقى قلبُها، والعاطفة أنفاسُها، والمعاني نورُها؛ تتجلّى كنجماتٍ لامعةٍ تتوهجُ في سماءِ اللغةِ تومِضُ كبرقٍ يخطفُ القلوبَ من وُكناتها، ويأسرُ العقولَ من مِهادها، ويوقظُ الأنفسَ من سُهادها، ويقدحُ زِناد الأفئدةِ فتنشط من منامِها.