ناصر أبوعون
قال الشَّيخُ القاضي عِيَسى بن صالح بن عامر الطَّائِيُّ الأجَلّ: [(فَلَمّا اِنْحَدَرْتُ مِنْ تِلْكَ الرَّبْوَةِ تَفَيَّأْتُ ظِلَّ شَجَرَةٍ، وَإِذا وَرْقاءُ تَصْدَحُ وَتُطارِحُها الشَّكْوى أُخْرَى في أَعْلى تِلْكَ الشَّجَرَةِ: [أَثارَتْ رَسيسًا في الفُؤادِ بِما شَدَتْ // فَفاضَ بِها مِنْ ماءِ عَيْني وَسْقَمْ] (تَفَيَّأْتُ ظِلَّ شَجَرَةٍ) (وَرْقاءُ تَصْدَحُ) فَأَثارَتْ كامِنَ الاِدِّكارِ إِلى الأَوْطانِ، فَقُلْتُ ارْتِجالًا: [وَمِمّا زادَ قَلْبي حَرَّ وَجْدٍ // وَأَذْكى في الحَشا نارَ اشْتِياقِ - بُكاءُ حَمامَةٍ في الدَّوْحِ ناحَتْ // دَعاها لِلْبُكا داعي الفِراقِ - كِلانا يا حَمامُ عَظيمُ شَوْقٍ // يَحِنُّ إِلى المُعاهِدِ وَالرِّفاقِ]. وَلَمّا أَصْبَحْنا وَأَدَّيْنا المَكْتُوبَةَ وَأَكَلْنا ما حَضَرَ مِنَ الطَّعامِ، أَمَرَ السُّلطانُ بِالرَّحيلِ فَارْتَحَلْنا قاصِدينَ أَرْضَ بَيْتِ كَشُوب، وَلَمْ نَزَلْ نَجُوبُ الوِهادَ تَحْتَ ظِلالِ الأَشْجارِ وَنَعْلُو الرُّبى نَطاءَ الكَلَأِ حتّى وَصَلْنا المَكانَ المَقْصودَ فَأَنَخْنا تَحْتَ ظِلالِ الأَشْجارِ قُرْبَ عَيْنِ ماءٍ جارِيَةٍ لَها خَريرٌ يُسْمَعُ مِنْ بَعيدٍ، وَلَكِنْ بِكُلِّ أَسَفٍ أَنَّ هذِهِ العَيْنَ يَفُورُ ماؤُها بَعْدَ وَقْتِ الخَريفِ. وَجاءَ مِنْ بَيْتِ كَشُوب جَماعَةٌ لِلِقاءِ السُّلطانِ وَمَعَهُم أَسْقِيَةُ اللَّبَنِ وَالغَنَمُ وَالبَقَرُ لِلضِّيافَةِ كَما هِيَ عادَتُهُمْ. وَلَمّا جَنَّ عَلَيْنا اللَّيْلُ خَرَجْنا مِنْ تِلْكَ الغاباتِ إِلى مَكانٍ أَفْيَحَ وَبِتْنا فيه، فَلَمّا أَصْبَحْنا وَصَلَّيْنا الفَجْرَ ارْتَحَلْنا قاصِدينَ أَرْضَ بَيْتِ تَبُوك، فَوَصَلْناها وَالشَّمْسُ في كَبِدِ السَّماءِ، وَأَنَخْنا أَيضًا تَحْتَ ظِلالِ الأَشْجارِ قُرْبَ عَيْنِ ماءٍ جارِيَةٍ تَنْبُعُ مِنْ جَبَلٍ صَلْدٍ، فَما أَحْسَنَ مَقيِلَنا وَما أَحْلاهُ وَما أَبْهَجَهُ، فَهَبَّتِ الصَّبا فَجاءَتْ بِرِيّا الأَزْهارِ وَنَفَحاتِ تِلْكَ الأَشْجارِ. فَلَمّا عَسْعَسَ اللَّيْلُ خَرَجْنا مِنْ غاباتِ تِلْكَ الأَشْجارِ إِلى مَيْدانٍ واسِعٍ فَبِتْنا فيه)].
*****
(تَفَيَّأْتُ ظِلَّ شَجَرَةٍ) (تَفَيَّأْتُ) آويتُ إلى ظلّ شجرة بعد الزوال، ونقرأ شاهده اللغويّ في قول خمعة بنت الخُسّ الإياديّة: [رَأَيْتُ بَنِي الدُّنْيَا كَأَحْلَامِ نَائِمٍ // وَكَالفَيْءِ يَدْنُو ظِلُّهُ، ثُمَّ يَقْلُصُ(01)](وَإِذا وَرْقاءُ تَصْدَحُ): (إِذا) حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى المُفَاجَأَةِ. ونقرأ شاهدها اللغوِيّ في قول هُناءة بن مالك بن فَهْم الأزديّ: [حَلَّتْ عَلَى مَالِكِ الأَمْلَاكِ جَائِحَةٌ // هَدَّتْ بِنَاءَ العُلَا وَالمَجْدِ فَانْفَصَدَا- (إِذَا) جَذِيمَةُ، لَاتَبْعُدْ، وَقَدْ // غَلَبَتْ بِهِ المَنَايَا، وَقَدْ أَوْدَى وَقَدْ بَعُدَا(02)](وَرْقاءُ) حمامة مطوّقة، حَوْلَ رَقَبَتِهِا رِيشٌ يُخَالِفُ سَائِرَ لَوْنِهِا. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول الرّحّال بن مَجدوح النُّمَيريّ: [أُحِبُّكِ مَا غَنَّتْ بِوَادٍ حَمَامَةٌ // مُطَوَّقَةٌ (وَرْقَاءُ) فِي هَدَبٍ خُضْرِ(03)](تَصْدَحُ) ترَفَعُ صَوْتَها بِالغِنَاءٍ. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول أمّ موسى بنت حيّان الكِلابيّة: [أَلَا حَبَّذَا الدَّهْنَا، وَطِيبُ تُرَابِهَا // وَأَرْضٌ فَضَاءٌ (يَصْدَحُ) اللَّيْلَ هَامُهَا(04)] (وَتُطارِحُها الشَّكْوى أُخْرَى)، (تُطارِحُها) تُجاريها فِي الشكوى وتُردِّد غناءها. ونقرأ شاهده اللغوي في قول أشجع بن عمرو السُّلَميّ، يُشَبِّهُ تَرَدُّدَ صَوْتِ المَاءِ فِي سَيْلٍ بِتَرْدِيدِ الجَوَارِي غِنَاءَهُنَّ: [وَكَأَنَّ صَوْتَ المَاءِ فِي حَافَاتِهِ // زَجَلُ القِيَانِ (تُطَارِحُ) الأَصْوَاتَا(05)] (الشَّكْوى) مصدر، ومعناه: بَثُّ التَّوَجُّعِ وَالتَّأَلُّمِ. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول طَرَفة بن العبد البكريّ: [وَمَا زَادَكَ (الشَّكْوَى) إِلَى مُتَنَكِّرٍ // تَظَلُّ بِهِ تَبْكِي، وَلَيْسَ بِهِ مَظَلْ؟(06)] [أَثارَتْ رَسيسًا في الفُؤادِ بِما شَدَتْ // فَفاضَ بِها مِنْ ماءِ عَيْني وَسْقَمْ] هذا البيت للشاعر أبو مسلم البهلاني من قصيدته المطوَّلة، التي مطلعها:(معاهد تذكاري سقتك الغمائم)، ولكن في نسخة الناسخ وقع فيه تصحيف وكسرٌ عروضيّ). وتصويب البيت هو: [أثارتْ رسيسًا في الفُؤادِ بِمَا شدت // فَفَاضَ بِهِ مِنْ مَاءِ جَفْنِي رَاسِمُ](فَقُلْتُ ارْتِجالًا)، أي: (فَقُلْتُ/ أنشدتُ) (ارْتِجالًا) أتيتُ مثله في المعنى. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول البُريق الخُناعيّ الهُذَليّ: [إِنِّي امْرُؤٌ فِي هُذَيْلَ نَاصِرُهُ // (مُرْتَجِلٌ) فِي الحُرُوبِ مَا (ارْتَجَلُوا)(07)] (فَقُلْتُ ارْتِجالًا): [وَمِمّا زادَ قَلْبي حَرَّ وَجْدٍ // وَأَذْكى في الحَشا نارَ اشْتِياقِ - بُكاءُ حَمامَةٍ في الدَّوْحِ ناحَتْ // دَعاها لِلْبُكا داعي الفِراقِ - كِلانا يا حَمامُ عَظيمُ شَوْقٍ // يَحِنُّ إِلى المُعاهِدِ وَالرِّفاقِ] (حَرَّ وَجْدٍ)، حَرَّ: اسم وجمعه:(أَحَارِر، حُرُور) الحُرقة من الحُبّ والشوق للأهل في مسقط. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول بَيْهس بن هلال الفَزاريّ: [شَفَيْتُ، يَا مَازِنُ، (حَرَّ) صَدْرِي // أَدْرَكْتُ ثَأْرِي، وَنَقَضْتُ وِتْرِي(08)](وَجْد) الحُبّ المقرون بالحزن على فراق الأحبة. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول دوسر بن ذهيل القُريعيّ: [وَحَنَّتْ قَلُوصِي مِنْ عَدَانَ إِلَى نَجْدِ // وَلَمْ يُنْسِهَا أَوْطَانَهَا قِدَمُ العَهْدِ- وَإِنَّ الَّذِي لَاقَيْتِ فِي القَلْبِ مِثْلُهُ // إِلَى آلِ نَجْدٍ مِنْ غَلِيلٍ وَمِنْ (وَجْدِ)(09)](أَذْكى) فعلٌ مُتعدٍ، والمعنى: أوقد، وهو يُستعمل في الحقيقة والمجاز على السواء، ونقرأ شاهده اللغويّ في قول عَديّ بن زيد العِباديّ: [مَاذَا تُرَجُّونَ إِنْ أَوْدَى رَبِيعُكُمُ // بَعْدَ الإِلَهِ، وَمَنْ (أَذْكَى) لَكُمْ نَارَا؟(10)](الحَشا) مَا دُونَ الحِجَابِ مِمَّا فِي البَطْنِ كُلِّهِ مِنَ الطِّحَالِ وَالكَرِشِ وَالكَبِدِ وَمَا يَتْبَعُهَا. ونقرأ شاهده اللغوي في قول أسماء بنت ربيعة التَّغْلِبيّة، تَبْكِي أَخَاهَا: [أَسْعِدُونِي، لَاتَلُومُوا فِي البُكَا // إِنَّ فِي (الأَحْشَاءِ) نَارًا تَصْطَلِي(11)](الدَّوْحِ) اسم جنس مفرد، وجمعه: (أدواح) والمعنى: الشَّجَرُ الضَّخْمُ، ذُو الفُرُوعِ المُمْتَدَّةِ. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول امرؤ القيس بن حُجْر الكنديّ، يَصِفُ فِعْلَ الغَيْثِ بِالأَشْجَارِ: [فَأَضْحَى يَسُحُّ المَاءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ // يَكُبُّ عَلى الأَذْقَانِ (دَوْحَ) الكَنَهْبَلِ(12)](داعي الفراق) اسم فاعل، والدَّاعِي مِنَ الحَمَامِ وَنَحْوِهِ: المُصَوِّتُ المُتَرَنِّمُ. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول مُهَلْهِل بن ربيعة التَّغْلِبيّ، يَبْكِي أَخَاهُ كُلَيْبًا: [إِنَّ فِي الصَّدْرِ حَاجَةً لَنْ تَقَضَّى // مَا دَعَا فِي الغُصُونِ (دَاعٍ) هَدِيلَا(13)](المُعاهِدِ) اسم فاعل. وهو المُعْطِي غَيْرَهُ مِيثَاقًا يَضْمَنُ لَهُ الوَفَاءَ بِحُقُوقِهِ. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول حسّان بن ثابت الخزرجيّ الأنصاريّ: [فَمَا أَحَدٌ مِنَّا بِمُهْدٍ لِجَارِهِ // أَذَاةً، وَلَا مُزْرٍ بِهِ وَهُوَ عَامِدُ- بِأَنَّا نَرَى حَقَّ الجِوَارِ أَمَانَةً // وَيَحْفَظُهُ مِنَّا الكَرِيمُ (المُعَاهِدُ)(14)](أَدَّيْنا المَكْتُوبَةَ)؛ أي: الصلاة المفروضة من الصلوات الخمس، وهي صلاة الفجر، وهي خلاف النافلة. (أَرْضَ بَيْتِ كَشُوب) قبيلة من بني كشوب بن علي بن تمان بن محاديتا بن سلم بن سلم بن عمرو الحكلي. (نَجُوبُ الوِهادَ) نطوف. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول دويلة بن سعيد الهَمْدانيّ، يَذْكُرُ خَيْلًا طَافُوا بِهَا مَفَازَةً: [(نَجُوبُ) بِهَا المَوْمَاةَ شَهْرًا لَعَلَّهَا/ تَبُوءُ عَلَى بُعْدِ المَدَى بِقَبِيلِ(15)](نَعْلُو الرُّبى نَطاءَ الكَلَأِ) نصعد الروابي غليظة الوطأة لكثرة ما بها من أعشاب وأشجار تعوق المسير. (الرُّبا/ الرُّبِي) جمعٌ ومفرده: (رَبْوة) مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرْضِ. ونقرأ شاهدا اللغويّ في قول الحارث بن عُباد البَكْريّ: [يَا وَيْلَ أُمِّكُمُ، مِنْ جَمْعِ سَادَتِنَا // كَتَائِبًا، كَالرُّبَا، وَالقَطْرُ يَنْسَكِبُ(16)] (نَطاءَ الكَلَأِ) النِّطَاءُ: البُعْدُ، والمقصود: صعبة المُرتقى. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول طَهْفَة/طَخْفَة بن أبي زهير النَّهْديّ، يُخْبِرُ سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) بِمَا بَذَلُوهُ لِلِقَائِهِ: [يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَيْنَاكَ مِنْ غَوْرَيْ تِهَامَةَ... مِنْ أَرْضٍ غَائِلَةِ (النِّطَاء)، غَلِيظَةِ الوِطَاء(17)]
(أَنَخْنا) فعلٌ متعدٍ بالحرف، والمعنى: نزلنا للإقامة. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول حاجز بن عوف الأزديّ: [وَجَمْعٌ مِنْ صُدَاءٍ قَدْ أَتَانَا // وَدُعْمِيٌّ، وَجَمْعُ بَنِي شِعَارِ- فَلَمْ نَشْعُرْ بِهِمْ، حَتَّى أَتَوْنَا // كَحِمْيَرَ، إِذْ (أَنَاخَتْ) بِالجِمَارِ(18)] (عَيْنِ ماءٍ جارِيَةٍ) اسم مفرد، والجمع منه:(عُيون، عِيون، أعُيُن، أَعْيان)، وعَيْنُ المَاءِ: اليَنْبُوعُ. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول امرؤ القيس بن حُجْر الكنديّ: [تَيَمَّمَتِ (العَيْنَ) الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ // يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ، عَرْمَضُهَا طَامِي(19)] (خَريرٌ) اسم مفردٌ، وجمعه:(أَخِرَّة)، ومعناه: صَوْتُ الماء إِذَا اشْتَدَّ جَرْيُهُ. ونقرأ شاهده في قول خالد بن زهير الهُذَليّ، حَذِّرُ ابْنَ عَمِّهِ مِنْ هِجَائِهِ الشَّبِيهِ بِسَحَابَةٍ لَهَا خَرِيرٌ مُنَفِّرٌ: [فَأَقْصِرْ، وَلَمْ تَأَخُذْكَ مِنِّي سَحَابَةٌ // يُنَفِّرُ، شَاءَ المُقْلِعِينَ، (خَرِيرُهَا)(20)](يَفُورُ ماؤُها بَعْدَ وَقْتِ الخَريفِ) (يَفُورُ) يجيش مَاؤُهُا وتَدَفَّقَ. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول ابن عباس، يَذْكُرُ أَوَّلَ نُبُوعِ بِئْرِ زَمْزَمَ: [جَاءَ المَلَكُ بِهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَضَرَبَ بِعَقِبِهِ، فَفَارَتْ عَيْنًا(21)].
(وَقْتِ الخَريفِ) يقصد به موسم خريف ظَفار، والذي يستمر ثلاثة أشهر تقريبًا، ويبدأ فلكيًا في يوم الانقلاب الصيفي 21 أو 22 يونيو، ثم يستمر حتى حوالي 20 أو 21 سبتمبر. وتصل ذروة الأخضرار وجمال الطبيعة في خريف ظفار من منتصف يوليو إلى نهاية أغسطس، عندما تهب الرياح الموسمية وتتدفق السحب وتتساقط الأمطار الخفيفة لتغطي المنطقة بجمال طبيعي فريد.(أَسْقِيَةُ اللَّبَنِ) (أَسْقِيَةُ، أَسَاقِي) جمع والمفرد (سَقَاء)، وهو: وِعَاءٌ مِنَ الجِلْدِ، يُتَّخَذُ لِلْمَاءِ وَاللَّبَنِ. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول هند بنت الخُسّ الإياديّة، تَصِفُ أَسْوَأَ النِّسَاءِ: [الَّتِي تَقْعُدُ بِالفِنَاء، وَتَمْلَأُ الإِنَاء، وَتَمْذُقُ مَا فِي السِّقَاء(22)] (جَنَّ عَلَيْنا اللَّيْلُ) جَنَّ الظَّلَامُ وَنَحْوُهُ: اخْتَلَطَ، وَاشْتَدَّ سَوَادُهُ. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول زهير بن مسعود الضَّبّيّ، يَصِفُ ثَوْرًا أَلْجَأَهُ الظَّلَامُ، وَشِدَّةُ البَرْدِ إِلَى الِاخْتِبَاءِ: [حَتَّى إِذَا (جَنَّ) الظَّلَامُ لَهُ // رَاحَتْ عَلَيْهِ بِوَابِلٍ رَجْسِ- فَأَوَى إِلَى أَرْطَاةِ مُرْتَكَمِ الــ // أَنْقَادِ، مِنْ ثَأْدٍ وَمِنْ قَرْسِ(23)](مَكانٍ أَفْيَحَ) صفة مشبّهة مُفرد من (فوح/فيح)، وجمعه: (فِيح)، ومعناه: واسع ممتد. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول ابن أخت تأبَّط شرًّا الفَهْميّ، يَرْثِي تَأَبَّطَ شَرًّا: [(أَفْيَحُ) البَابِ، مُفِيدٌ مُبِيدٌ // جَادَ مِنْ جَدْوَى يَدَيْهِ المُقِلُّ(24)](أَرْضَ بَيْتِ تَبُوك) قبيلة من بني تبوك بن علي بن تمان بن محاديتا بن سلم بن سلم بن عمرو الحكلي (الشَّمْسُ في كَبِدِ السَّماءِ) (كَبِدِ السَّماءِ) (كَبِد) مفرد، والجمع:(أَكْباد، كُبُود، أكْبُد، كِباد) في وسطها أو معظمها ومتعامدة على رؤوس الناس وقت الظهيرة. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول قُسّ بن ساعدة الإياديّ، يَصِفُ جَرَيَانَ الشَّمْسِ: [تَجْرِي عَلَى (كَبِدِ) السَّمَاءِ، كَمَا // يَجْرِي حِمَامُ المَوْتِ فِي النَّفْسِ(25)(جَبَل صَلْد) (صَلد) مفرد والجمع:(أَصْلاد، صِلَاد)، والمعنى: يابِسٌ صُلْبُ أملس. ونقرأ شاهده اللغوي في قول تأبَّط شرًّا الفَهْميّ: [وَلَسْتُ بِجُلْبٍ جُلْبِ رِيحٍ وَقَرَّةٍ // وَلَا بِصَفًا (صَلْدٍ) عَنِ الخَيْرِ مَعْزَلِ(26)](فَما أَحْسَنَ مَقيِلَنا) (المَقِيل) اسم مكان وقصد به مكان الراحة والقيلولة. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول مُهَلْهِل بن ربيعة التَّغْلِبيّ: [أَمْسَتْ وَقَدْ أَوْحَشَتْ جُرْدٌ بِبَلْقَعَةٍ // لِلْوَحْشِ مِنْهَا (مَقِيلٌ) فِي مَرَاعِيهَا(27)](هَبَّتِ الصَّبا) هَاجَتْ، وَثَارَتْ. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول أُحَيحة بن الجُلاح الأوسيّ، يَفْتَخِرُ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ: [نَحْنُ المَرَاجِيحُ فِي مَجَالِسِنَا // قِدْمًا، وَنَحْنُ المَصَالِتُ الصُبُرُ- وَالمُطْعِمُو الشَّحْمَ فِي الجِفَانِ إِذَا // (هَبَّتْ) رِيَاحُ الشِّتَاءِ وَالفَزَرُ(28)](الصَّبا) الرِّيحُ الَّتِي تَهُبُّ مِنَ الشَّرْقِ بَارِدَةً إِذَا اسْتَوَى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول الخليل بن أحمد الفراهيديّ: [وَالصَّبَا: رِيحٌ تَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، وَصَبَتْ تَصْبُو عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَحِنُّ إِلَى البَيْتِ لِاسْتِقْبَالِهَا إِيَّاهُ(29)] (رِيّا الأَزْهارِ) (رِيّا) الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول عبيد بن عبد العُزَّى السَّلاميّ الأزديّ: [وَرَبَّةُ خِدْرٍ يَنْفَحُ المِسْكَ جَيْبُهَا // تَضَوَّعَ رَيَّاهَا بِهِ حِينَ تَصْدِفُ(30)](وَنَفَحاتِ الأَشْجارِ) (نَفَحاتِ/ أنْفَاح) جموع والمفرد: (نفحة)، والمعنى: الرياح الفواحة. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول الحارث بن صُريم الوادعيّ الهَمْدانيّ: [وَمَا (نَفْحُ) رَوْضٍ، ذِي أَقَاحٍ وَحَنْوَةٍ // وَذِي وَرَقٍ، مِنْ قُلَّةِ الحَزْنِ عَازِبِ(31)](عَسْعَسَ اللَّيْلُ) أدْبَر وتولّى. ونقرأ شاهده اللغوي في القرآن الكريم: قال الله تعالى: {وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسْعَسَ(32)}.
.......
المراجع والمصادر:
(01) كتاب بلاغات النّساء وطرائف كلامهن وملح نوادرهن وأخبار ذوات الرأي منهن وأشعارهن في الجاهلية وصدر الإسلام: ابن طَيْفور البغداديّ (ت، 280هـ)، تحقيق: أحمد الألفي، مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة، (1326هـ/ 1908م)، 63.
(02) شُعراء عُمان في الجاهلية وصدر الإسلام: جمع وتحقيق: أحمد محمّد عبيد، المجمع الثقافي، أبو ظبي، (1420هـ/ 2000م)، 90.
(03) ديوان جران العَوْد النميري وضمنه شعر عُروة الرّحّال: تحقيق: كارين صادر، دار صادر، بيروت، ط1، (1999م)، 48.
(04) معجم البلدان: ياقوت الحَمَوي (ت، 626هـ)، دار صادر، بيروت، (1397هـ/ 1977م)، 2/223.
(05) أشجع السلمي حياته وشعره: تحقيق: خليل بنيان الحسون، دار المسيرة، بيروت، ط1، (1401هـ/ 1981م)، 194.
(06) ديوان طرفة بن العبد شرح الأعلم الشَّنْتَمَري وتليه طائفة من الشعر المنسوب إلى طرفة: تحقيق: درية الخطيب، لطفي الصقّال، إدارة الثقافة والفنون، البحرين، المؤسسة العربية، بيروت، ط2، (2000م)، 100.
(07) كتاب شرح أشعار الهُذَليّين: صنعة: أبي سعيد السُّكَّريّ (ت، 275هـ)، رواية: أبي الحسن علي بن عيسى بن علي النحوي بن أبي بكر أحمد بن محمّد الحُلواني عن السكري، حققه: عبد الستار أحمد فرّاج، راجعه: محمود محمّد شاكر، مكتبة دار العروبة- مطبعة المدني، القاهرة، (1384هـ/ 1965م)، 2/760.
(08) شعر قبيلة ذُبيان في الجاهلية: جمع وتحقيق ودراسة: سلامة عبد الله السويدي، مطبوعات جامعة قطر، الدوحة، (1408هـ/ 1987م)، 284.
(09) الأصمعيّات: اختيار: الأصمعيّ (ت، 216هـ)، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر، عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط3، (1387هـ/ 1967م)، 150.
(10) ديوان عَديّ بن زيد العِباديّ: حققه وجمعه: محمّد جبار المعيبد، شركة دار الجمهورية، بغداد، (1385هـ/ 1965م)، 53.
(11) شعراء تغلب في الجاهلية أخبارهم وأشعارهم: صنعة: علي أبو زيد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1، (1421هـ/ 2000م)، 2/389.
(12) ديوان امرئ القيس: اعتنى به وشرحه: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت، ط2، (1425هـ/ 2004م)، 65.
(13) ديوان المُهَلْهِل: شرح وتحقيق: أنطوان محسن القوَّال، دار الجيل، بيروت، ط1، (1415هـ/ 1995م)، 65.
(14) ديوان حسان بن ثابت: تحقيق: سيد حنفي حسنين، دار المعارف، القاهرة، (1983م)، 196.
(15) شعر هَمْدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام: جمع وتحقيق ودراسة: حسن عيسى أبو ياسين، دار العلوم، الرِّياض، ط1، (1403هـ/ 1983م)، 254.
(16) ديوان الحارث بن عُبَاد: جمعه وحققه: أنس عبد الهادي أبو هلال، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، أبو ظبي، ط1، (1429هـ/ 2008م)، 150
(17) كتاب العقد الفريد: ابن عبد ربّه الأندلسيّ (ت، 328هـ)، شرحه وضبطه وصححه وعنون موضوعاته ورتب فهارسه: أحمد أمين وآخرون، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط3، (1363هـ/ 1944م- 1393هـ/ 1973م)، 2/53.
(18) شُعراء جاهليُّون: جمع وتحقيق: أحمد محمّد عبيد، المجمع الثقافي، أبو ظبي، (1422هـ/ 2001م)، 169.
(19) ديوان امرئ القيس: تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط5، (1990م)، 476.
(20) ديوان أبي ذؤيب الهُذلي: شرحه وقدم له ووضع فهارسه: سُوهام المصري، عني بمراجعته وقدم له: ياسين الأيوبي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، (1419هـ/ 1998م)، 135.
(21) مسند الإمام أحمد ابن حنبل: أحمد ابن حَنْبَل (ت، 241هـ)، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، (1416هـ/ 1995م- 1421هـ/ 2001م)، 5/379،،(رقم الحديث: 3390).
(22) كتاب الأمالي: أبو عليّ القالي (ت، 356هـ)، تحقيق: محمّد عبد الجواد الأصمعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، (1975- 1976م)، 2/285.
(23) شعر ضبَّة وأخبارها في الجاهلية والإسلام: صنعة: حسن بن عيسى أبو ياسين، جامعة الملك سعود، الرِّياض، ط1، (1416هـ/ 1995م)، 105.
(24) كتاب التيجان في ملوك حِمْيَر: وهب بن مُنَبِّه الصَّنْعانيّ (ت، 114هـ)، رواية: أبي محمد عبد الملك بن هشام عن أسد بن موسى عن أبي إدريس بن سنان عن جده لأمه وهب بن منبه: تحقيق ونشر: مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، صنعاء، ط1، (1347هـ)، 258.
(25) زهر الأكم في الأمثال والحكم:الحسن اليوسي: تحقيق:محمد حجي، محمد الأخضر، دار الثقافة، ط1،1981م، 3/197.
(26) ديوان تأبط شرًّا وأخباره: جمع وتحقيق وشرح: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط1، (1404هـ/ 1984م)، 174.
(27) ديوان المُهَلْهِل: شرح وتحقيق: أنطوان محسن القوَّال، دار الجيل، بيروت، ط1، (1415هـ/ 1995م)، 93.
(28) الشُّعراء الجاهليون الأوائل: تحقيق: عادل الفريجات، دار المشرق، بيروت، ط2، (2008م)، 441- 442.
(29) كتاب العين: الخليل بن أحمد الفراهيديّ (ت، 175هـ)، تحقيق: مهدي المخزومي، إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، القاهرة، د.ت. 7/169.
(30) منتهى الطلب من أشعار العرب: جمع: ابن ميمون البغدادي (ت، 597هـ)، تحقيق وشرح: محمّد نبيل طريفي، دار صادر، بيروت، ط1، (1999م)، 8/284.
(31) شعر هَمْدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام: جمع وتحقيق ودراسة: حسن عيسى أبو ياسين، دار العلوم، الرِّياض، ط1، (1403هـ/ 1983م)، 248.
(32) سورة التَّكْوِير، الآية: 17
