إدارة المؤسسات الاستهلاكية

يحيى الناعبي

 

يبدو أنَّ الوباء العالمي "كورونا" استطاع أن يكشف السياسات المنفذة في المشاريع الرئيسية والمفصلية في الدول؛ ليُبيِّن نجاحها من فشلها، ولو رصدنا أوجه المقارنة بين الدول لما استطعنا أن نختصرها في مقال، لكني سأتطرق هنا إلى جانب واحد فقط؛ وهو أهمية المؤسسات الاستهلاكية الضرورية.

لا شك أننا نعلم أنَّ الغلاء المسعور قد نشب في غالب السلع الاستهلاكية، لكن يجب أن نفرق بين السلع الأساسية وبين السلع الثانوية. فالسلع الرئيسية هي التي لا يُمكن الاستغناء عنها وتمثل ضرورة لحياة الناس، بينما السلع الثانوية غالبًا ما تكون اختيارية وتتبع مصطلح الرفاهية حيث تتيح لكل فرد حرية الاختيار والتفاضل. على سبيل المثال، لدى الفرد أن يشتري بحسب قدرته الشرائية أنواع الأثاث لمنزله سواء كان محلي الصنع أم من الخارج.

لكن، ما يشتكي النَّاس من غلائه متعلق بالسلع الرئيسية كالمواد الغذائية والاستهلاكية اليومية والمتعلقة باستخدامات الأسرة من كبار وأطفال. ومعظم الدول تسعى إلى أن تكون آلية التصرف حول ما تعتبره ضرورة للسكان ويمثل أمنها الوطني، تحت سيطرتها. لذلك، مع تفشي وباء كورونا، سارعت دول عديدة إلى طمأنة شعوبها بتوفير المواد الاستهلاكية الرئيسية وعدم المساس في الأسعار مع نسب بسيطة نظرًا للأزمة، حتى لا تعم الفوضى بين المقيمين على أراضيها. ومما ساعد في ذلك أن شعوب هذه الدول قد هيأت مسبقًا لعملية ترشيد الاستهلاك بحيث يجب أن تستهلك في حدود حاجتك وطاقتك، ورغم ذلك كان هناك تخوف حقيقي من نفاذ بعض المواد وسارع الناس وخصوصا المهاجرين ذوي التجارب السلبية مع حكوماتهم، إلى شراء كميات كبيرة منها في الأيام الأولى ولكن تم التصدي إلى ذلك إعلامياً ورسمياً وطمأنتهم.

تُطرح أسئلة كثيرة حول هذا الجانب، وأهمها: هل يعقل أن يغيب عن سلوك وإدارة الحكومة في عُمان (وأنا لا أقصد الحالية بينما المتعاقبة منها)، أن تجعل ملكية الأسواق الاستهلاكية الكبيرة التي تعمّ مراكز التسوق كل مُحافظات السلطنة تابعة للدولة أو أنها تمثل نسبة الغالب من أسهمها باسم الدولة وليس تابع لشركات خاصة وفي الغالب من خارج السلطنة؟ مما ساعد على هروب قدر كبير من رأس المال العماني إلى الخارج وأدى إلى ضعف الاقتصاد.

إنَّ أهمية أن تتولى الدولة إدارة المواد الاستهلاكية ليس فقط نابعًا من الجانب الاقتصادي؛ بل هو صحي وأمن قومي وعصب رئيس لحياة أفراد المجتمع. فعلى الجانب الاقتصادي يساعد نوعا ما على استقرار الاقتصاد وبقاء العاملين في وظائفهم حتى في حالة الأزمات؛ لأن دائرة الحياة الطبيعية تتمثل في وظيفة من أجل العيش، ونسبة القوة الشرائية للمواد الاستهلاكية تمثل بين 60- 70%، ولو حافظت الحكومة على ذلك لاستقر الحال بين المواطنين.

إنَّ سياسة التدوير في المواد الضرورية تحت إدارة واحدة تشرف عليها الدولة هي بمثابة قاعدة رئيسية، تنطلق من خلالها المشاريع الأخرى التي تعزز من رأس المال المحلي وتساعد على جذب عنصر الاستثمار الأجنبي نتيجة لركيزة الاستقرار آنف الذكر.

كذلك الإشراف على جودة المواد الاستهلاكية مهمة من النواحي الصحية ويجب متابعتها أولاً بأول، بالتالي أن تكون بإشراف تام من الدولة له دور كبير على صحة الناس ويخفف العبء المالي (الصحي) على الدولة.

في ظاهر الأمر، العمالة الوافدة مثّلت مصدر القلق بين المواطنين على أنها تلتهم الوظائف منهم، لكن الحقيقة تكمن في عدم وجود آلية استغلال حقيقية لكيفية التعامل مع العمالة الوافدة على أرض الواقع، وأيضاً لم تُستغل بالشكل الجوهري في تدوير أموالهم داخل أرض السلطنة. فالكثير من العمالة الوافدة استقرت لعقود على أرض السلطنة، لكن لسان حالها اليومي "إن لم أغادر اليوم سوف يكون غدًا!"، وهذا طبعًا يعود إلى غياب الآلية التي تجعل هذه العمالة تشعر بالاستقرار المعيشي الآمن (يقصد بالآمن هنا وجود العائلة والأطفال في بيئة تؤمن لهم مستلزماتهم بحيث تتناسب مع متطلباتهم كما شاهدناه في العديد من الدول التي تستقطب العمالة والمهاجرين).

كل هذا بدوره سوف يُساعد على استغلال المال داخل البلد وينعش الاقتصاد، ولو تمت المقارنة بين عدد المدارس التابعة للجاليات مع أعدادهم الهائلة الموجودة سابقًا، نجد أنها لا تشكّل حتى نسبة 1%، وهذا يعني أن العوام منهم يعيشون هنا فرادى، بينما تهاجر الأموال إلى عائلاتهم في دولهم.