عزيمة لا تلين.. المقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال

خالد بن سالم الغساني

مع صمود وتضحيات شعب لا يقهر ولا يعرف الاستسلام، تترسخ قصة المقاومة الفلسطينية وتتجلى كنموذج فريد للكفاح والإرادة، فمنذ بدء الاحتلال الصهيوني، واجه الشعب الفلسطيني سلسلة من المآسي التي قلما شهد التاريخ مثيلاً لها بدءاً من التهجير القسري ومصادرة الأراضي وهدم بيوت السكان، والقتل والتشريد، ثم الحصار الاقتصادي والمعيشي، وظل هذا الشعب يقاوم ويقاتل، حاملاً في قلبه وعقله إيماناً راسخاً لا يتزعزع بحتمية النصر، مستمداً عزيمته من جذوره العميقة في الأرض والتاريخ، والإيمان المطلق بحقه العادل.

فمنذ مأساة فلسطين مع وعد بلفور، ثم النكبة عام 1948م، وطرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم، وهدم قراهم، والإستيلاء على أراضيهم، وحتى اليوم وما تشهده الأراضي العربية من جرائم وحشية نفذتها وتنفذها قوات الإحتلال الصهيوني بشكل يومي ضد شعب أعزل إلا من إرادته، فإن هذا الشعب الأبي لم يرَ في التهجير وكل أشكال القتل والقمع سوى بداية لكفاح طويل سيستمر طالما استمر الاحتلال.

لقد تشكلت المقاومة الفلسطينية بأشكالها المختلفة، بدءاً من الثورات الشعبية إلى المقاومة المسلحة، مروراً بالانتفاضات التي هزت أركان الاحتلال. فالانتفاضة الأولى عام 1987م، التي عُرفت بانتفاضة الحجارة، كانت تجسيداً لروح التحدي، حيث واجه أطفال وشباب فلسطين دبابات الاحتلال بالحجارة رافضين الخضوع. تلتها انتفاضة الأقصى عام 2000م التي عكست تصاعد الغضب الشعبي ضد الانتهاكات المستمرة في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية.

وفي قطاع غزة الذي يُعد رمزاً للصمود، تتجلى المقاومة بشكل يومي تحت حصار خانق منذ أكثر من عقد ونصف، يعيش سكان القطاع في ظروف إنسانية قاسية، حيث تُقطع الكهرباء، وتُحرم المياه النظيفة، وتُدمر البنية التحتية بفعل الحروب المتكررة. ورغم ذلك، لم يتوقف أهل غزة عن المقاومة. لقد شهد العالم الهجمات العسكرية المتكررة على القطاع منذ عام 2008م إلى 2014م، وصولاً إلى العدوان الشامل في 2023م، حيث دُمرت أحياء بأكملها، وسقط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى. وظل  الفلسطينيون كطيور الفينيق يجددون أنفسهم ويستنسخون عزائم شهدائهم وأبطال مقاومتهم ، يقاومون من وسط الدمار ومن بين ركام بيوتهم بأسلحتهم البدائية وبصمودهم في وجه محاولات الإذلال والإخضاع.

ويوم عن يوم تثبت كل اشكال المقاومة الفلسطينية للعالم، بانها ستستمر لأنها تعبير ومعنىً إيماني ثابت وعميق بحقها في العودة إلى الأرض المسلوبة وبناء مستقبل يليق بحرية وكرامة الإنسان.

إن عزيمة الفلسطينيين تنبع من ارتباطهم بأرضهم وتمسكهم بهويتهم وتاريخهم وكرامتهم التي تمثلها تلك الأرض، فكل بيت هُدم يحمل قصة، وكل شجرة زيتون اقتُلعت تمثل قروناً من العيش المشترك مع هذه الأرض.

هذا الارتباط المقدس يغذي إرادة الصمود، فالفلسطيني الذي يرى أهله يُقتلون وجيرانه يُهجرون يرى في المقاومة واجباً واجب التنفيذ، عليه القيام به، فالإيمان الديني يستوجب ذلك ويحث عليه.

الشعب الفلسطيني يستمد قوته من قناعته بأن قضيته عادلة، وأن النصر، مهما تأخر يظل وعد إلهي قادم لا محالة، وكل احرار وشرفاء العالم يقفون الى حانبه ويساندونه حتى يقيم دولته المستقلة على كامل تراب وطنه المسلوب .

الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، حلقات في سلسلة كفاح مستمر منذ ثورة 1936م ضد الانتداب البريطاني والاستيطان الصهيوني، إلى مسيرات العودة الكبرى في غزة عام 2018، يظل الفلسطينيون يؤكدون رفضهم للواقع المفروض عليهم. حتى في الشتات، حيث يعيش ملايين اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات في لبنان والأردن وسوريا، يبقى حلم العودة إلى الوطن شعلة متقدة ووقود يتوارثه الأجيال ليواصلون مسيرة الكفاح ويمدونها بكل ما يمكنها للصمود والاستمرار، فشعب عانى من ويلات القتل والدمار والتشريد والتهجير، لا يمكنه إلا أن يستمر في نضاله ومقاومته بكل الأشكال حتى يعود رافعاً راية النصر وهاماته تلامس عنان السماء.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة