د. عبدالله باحجاج
منذ أكثر من 5 شهور، وكررتها قبل أقل من أشهر، تواصلت مع أعضاء بارزين في مجلس الشورى، بشأن قضية عسكريينا العمانيين العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، وكنت أتأمل أن نزف لهم بشرى قبل عيد الأضحى، نطمئنهم على حقهم كاملا في الراتب التقاعدي، فذلك كان سيعني لهم شيئًا كبيرًا، سيدخل فيهم السرور، وستُزال عنهم كربة؛ بل كربٍ، لكن خذلوني وخذلوهم، مهما كان عذرهم، فهذه القضية تستحق الجهد العاجل، والتحرك السريع منهم.
قضيتهم لم تعد في الاعتراف بحقهم في راتب التقاعد بعد صدور مرسوم سطاني جديد بشأن مد المظلة التأمينية لصندوق تقاعد العسكريين في بلادنا عليهم، أسوة بما هو سائد في دول المجلس الأخرى بعد اتفاق قادة المجلس منذ عام 2011 على ذلك، لكنها تكمن في حجم راتبهم التقاعدي، فقد تقرر أن يكون من أول مربوط وليس من آخره، وهذا التوجه غريب وعجيب، نجده مخالفًا لقوانين التقاعد المعمول بها في البلاد ودول مجلس التعاون الخليجي التي تمنح راتبا من آخر مربوط وليس العكس.
لذلك.. كانوا يتمنون أن ترفع هذه الجزئية من قضيتهم القديمة المتجددة، إلى المسؤول حتى يعلم بها، ولو علم بها، لن يقبل المساس بقوانين البلاد مهما كانت الأسباب. كتبنا عن هذا الأمر مقالات، لكن يبدو أنها لم تصل لمن يهمه الأمر، وأثار قضيتهم كذلك زملاء في إذاعات خاصة، لكنهم لم يلامسوا المفصل الحقوقي سالف الذكر، وهو الأهم، وهو ما يجعلنا الان نخصص له هذا المقال.
لو كانت هناك محكمة أو غرفة دستورية في البلاد، لأبطلت هذا القرار أو التوجه؛ لأنه مخالف للنظام الأساسي للدولة، والقوانين المستمدة منه. وهنا، نتساءل عن سبب "تنطيش" أعضاء مجلس الشورى لهذه القضية بعد أن أبدوا استعدادهم واقتناعاتهم بها، وأحدهم قال لي حرفيًا: "أمهلني يومين وسأتواصل معك، لكنه لم يتواصل حتى الان، وآخرين، رسموا خطة للتحرك"، وذهبوا مع ما ذهبنا إليه بشأن المحكمة/ الغرفة الدستورية، ونتصل بهم، لكن لا يردون!
موقفهم محير ومُستغرَب، كان بإمكان كل واحد منهم، أن يتصل بمكتب المسؤول الأول أو الثاني، ويعقد موعدًا للمقابلة معه، أو على الأقل يجري اتصالًا هاتفيًا اذا ما تعذرت المقابلة بحجة كورونا، ويشرح له المسألة الحقوقية، وما يتداخل معها من إشكاليات قانونية واجتماعية، فلماذا لم ترى مثل هذه المبادرات النور من قبل الأعضاء الذين تواصلنا معهم بشان هذه القضية؟
يبدو أننا قد فقدنا الأمل في دورهم العاجل؟ فدور الانعقاد السنوي لمجلس الشورى قد انفض بأوامر سامية، ودخل أعضاء المجلس في إجازة برلمانية، ونجد أنفسنا الان نخاطب اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، ونعلم أنهم يتابعون جيدًا ما يُنشر، فلديهم متابعة رائعة، ونتمنى أن يتفاعلوا إيجابًا مع هذه الجزئية؛ مثل ما كان تفاعلهم إيجابًا مع مقالات سابقة، وكان لهم دورٌ في تحريك ملف الاعتراف بحق راتب تقاعدهم عندما كان مجمدًا في وزارة المالية.
تدرون ماذا يعني احتساب أول مربوط للوظيفة وليس آخره، لمثل هؤلاء العسكريين العمانيين؟ يعني أنه إذا كانت وظيفة أحدهم مثلا جنديٌ– وأغلبهم في هذه الوظيفة– سيحصلون على أول مربوط لها في السلطنة، وتتساقط عليهم تراكمات سنواتها وخبراتها وعوائدها المالية، فكم أول مربوط الجندي في بلادنا؟ 200 ريال مثلًا؟ هذه التي سيُعتد بها في تحديد راتب تقاعدهم وفق منطوق "أول مربوط"، وكما يعتقده العسكريون المتقاعدون، وحتى المفهوم نفسه "أول مربوط" ليس له معنى، إلا ما سلف ذكره، وهذا يختلف عما هو سائد في صناديق التقاعد في بلادنا وفي الخليج؟ كلنا نعلم أن أنظمة التقاعد تبنى على آخر مربوط، فلماذا يعامل عسكريينا على خلاف قوانين البلاد؟ وما الحكمة من ذلك؟
هنا تكمُن الأهمية العاجلة في مقابلة المسؤول الرفيع أو "الرجل الثاني"، رغم تقديرنا لحجم مشاغلهم، لكن هذه حقوق ترتقي للأهميات المستعجلة، حتى لا ينفذ قرار آخر مربوط، وتتعقد قضية العسكريين. هناك القليل من المتسع للوقت للتحرك، فقضية مرتبات تقاعدهم، ما زالت في مرحلة جمع البيانات وفق آخر معلوماتنا، وهمُّنا هنا- وهو كذلك مطلب عسكريينا- يتمثل في كيفية إيصال قضية آخر مربوط لراتب تقاعدهم للمسؤول الرفيع في الوقت المناسب.
الحديث هنا عن حق مكتسب لشريحة كبيرة من مواطنينا تغربوا، بعضهم لأكثر من 40 سنة في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحمّلوا الكثير من المعاناة، فضلًا عن معاناة الغربة، فقد كانت معاناة الحساسية السياسية وقت الأزمات- حتى لو كانت عبر الفضاءات الإلكترونية- تمس حقوقهم، بدليل عدم ترقياتهم، وظلوا في مسمى الجندي، وبدليل تحويل الكثير من العمل في الحكومة إلى الشركات وبعقود، دون أن تدخل الجهات المختصة في بلادهم، وقد أثرنا قضاياهم في مقالات سابقة.
لقد صبروا كثيرًا على لقمة العيش المُرّة في الغربة، والكثير منهم قد رجع لبلاده، وبعضهم منذ عام 2011، وهم حتى الآن دون راتب تقاعدي، ولما جاء الاعتراف لهم بالراتب التقاعدي، فوجئوا بأنهم يُراد لهم أن يكون من أول مربوط الوظيفة في السلطنة، فهل يستمروا في المعاناة أم يحتضنهم وطنهم لتعويضهم عن هذا الماضي؟ وعوضًا عن ذلك، كيف يُسلب منهم تعب السنين، واستحقاقات أعمارهم؟
هذا هو المشهد المرسوم في أذهان هؤلاء المتقاعدين، وهو نتيجة اتصالاتهم المستمرة ببعض المسؤولين التنفيذين، وقد كانت لنا اتصالات هاتفية مع أحدهم، وخرجنا بهذا التصور كذلك، رغم وجود إحساس عميق بأن ذلك المشهد لن يكون النهاية، ومهما يكن، فإن الحق المستحق لراتب تقاعدهم، هو في آخر مربوط وليس في أوله، وهو نتيجة جهد السنين وعناء الغربة الصعبة، كما إنه ليس كبيرًا- لربما يلوح به البعض- فكم سيكون راتب الجندي في الخليج في ظل الخلفيات التي أوضحناها عن تعامل المحيط الخليجي مع عسكريينا العمانيين، وبالذات في محطات أساسية منه؟!