الاقتصاد الكلي المنظم.. المفهوم والأهمية

 

عيسى الغساني

يصنف الاقتصاد العالمي إلى نوعين من النظم الاقتصادية، اقتصاد منظم كليًا وجزئيًا ويحكمه نظام قانوني موحد واضح ومطبق تطبيقًا سليمًا ومن الصعب الخروج عن النظام، وعند محاولة تجاوز النظام أو التحايل عليه، تتصدى الدولة بكل قوة للممارسات غير المشروعة، وتطبق العقوبات الرادعة حفاظًا على الاقتصاد الوطني وسيادة القانون.

دول أوروبا الغربية واليابان تدور في هذا الفلك. وعلى النقيض من ذلك الاقتصاد الكلي غير المنظم يتسم بعدم وجود نظام قانوني واضح، وعدم فعالية تطبيق القانون إن وجد، وتنتشر ممارسات الاحتكار وعدم الشفافية والغش التجاري والتهرب الضريبي وتدور جل الدول النامية في هذا الفلك.

ويشكل وجود منظومة قانونية اقتصادية حجز الزاوية في ضبط وتسيير مفاهيم الاقتصاد المنظم الكلي والجزئي، فتكون كل الأنشطة الاقتصادية تحت مظلة النظام القانوني الاقتصادي، ويصعب ممارسة أي نشاط خارج المنظومة القانونية، بينما الاقتصاد الغير منظم يتسم بعدم وجود منظومة قانونية مركزية تنظم وتحكم كل الأنظمة الاقتصادية، وإحدى سماته الأخرى هو العشوائية، وعدم التكامل الجزئي والكلي للأنشطة الاقتصادية، ووضوح ممارسة الاحتكار والغش التجاري وانعدام الشفافية بشأن المعاملات المالية، وظهور الفوارق الطبقية وقلة فرص العمل، والتهرب الضريبي وكل ذلك يُساهم في تعطيل النمو الاقتصادي، وضعف النمو الاقتصادي وتباعا ضعف النظام التعليمي والصحي نتيجة لمحدودية الدخل العام. وتدور في فلك هذه الدائرة كل الدول النامية بمختلف درجاتها.

وعلى النقيض من ذلك يتميز الاقتصاد المنظم بعدة عوامل ومزايا، أما العوامل وهي التي تدفع بالنمو الاقتصادي، فهي وجود ووضوح منظومة من القوانين تتسم بالوضوح والتكامل، تنسق كل الأنشطة الاقتصادية في سياق كلي وجزئي، ترفد وتدعم النمو الاقتصادي وزيادة الناتج الوطني، وتنامي فرص العمل بمختلف أنواعها من المهارات العالية إلى المتوسطة والدنيا، محاربة الاحتكار والتهرب الضريبي، وبالتالي يرتفع الناتج الوطني وترفد خزينة الدولة بالموارد المالية، ويتحسن النظام التعليمي والصحي وبذلك تملك الدولة كل الوسائل لمحاربة البطالة، وضعف مخرجات التعليم ومشاكل سوء توزيع التنمية.

إن الحوكمة الكاملة كُليًا وجزئيًا لكل الأنشطة الاقتصادية. ووحدة التشريع الاقتصادي تطبيقا وتفسيرًا.. في الاقتصاد المنظم تعمل ثلاث جهات بتفاعل وتكامل كلي وهي الحكومة وأصحاب الأعمال، والعمال وممثلي النقابات العمالية. ويكون العمل ضمن ثوابت مفاهيم الاقتصاد المنظم والقوانين الحاكمة الداخلية وفي سياق الاتفاقيات والقوانين الدولية.

ومن أهم أسس بناء الاقتصاد الكلي المنظم، وحدة النظام القانوني الاقتصادي، من حيث طرق سن التشريع الاقتصادي بمختلف فروعه، فالنشاط الاقتصادي تحكمه مجموعة من الأنظمة الاقتصادية، قوانين تتعلق بالشركات وقوانين تتعلق بحوكمة الشركات، وقوانين تتعلق بالحصول على التراخيص بشأن الاستثمار من عقار ومنقول وقوانين مالية وغيرها الكثير- لا يتسع المجال لبيانه- وعند غياب وحدة التشريع تتعدد الجهات ذات الصلة بالتعامل مع الأنشطة الاقتصادية ويصبح الاقتصاد عشوائي غير منظم.

ولتأصيل مفاهيم وقوانين الاقتصاد المنظم من المهم أن تقدم دراسات أكاديمية وقانونية بصورة دورية، ونقترح تشكيل لجنة من الاقتصاديين والقانونيين المختصين لدراسة مفاهيم الاقتصاد المنظم والخروج بتوصيات.