قراءة في كتاب "التأثير السيبراني: كيف يُغير الإنترنت سلوك البشر؟" (1- 5)

 

عبيدلي العبيدلي

قبل تناول موضوعات كتاب الدكتورة ماري أيكن (Mary Aiken) الموسوم "التأثير السيبراني: كيف يغير الإنترنت سلوك البشر؟”، (The Cyber Effect: A Pioneering Cyberpsychologist Explains How Human Behavior Changes Online)، لا بُد من لفت القارئ إلى أن هناك مجموعة أخرى من الكتب العالمية التي ناقشت هذا الموضوع.

ربما لم تصل محتويات تلك الكتب واستنتاجات مؤلفيها إلى مستوى ما وصل إليه ما جاء في كتاب ماري أيكون (Mary Aiken) واشتقاقاتها، لكنها في نهاية الأمر تشكل، في مجملها، اتجاها متكاملا في مسيرة الثقافة العالمية المعاصرة. لقد أخذت هذه الثقافة على عاتقها قراءة التحولات التي باتت تفرزها، وتفرضها في آن ثقافة "الويب"، إن جاز لنا القول، والتي بدأت تكشف عن معالمها الجنينية اليوم، كي نعد أنفسنا للتعامل معها بالعلمية المطلوبة والمناسبة في المستقبل القريب، وليس البعيد، كما قد يتوهم البعض منا.

 

من بين تلك الكتب كتاب Adam N. Joinson، الموسوم (THE BOOK ON WEB PSYCHOLOGY: 7 Steps To Understand Online Consumer Behaviour).

 

ينطلق مؤلف هذا الكتاب من أن الإنترنت باتت قادرة على تغيير الأعمال والتعليم، وربما حتى أنفسنا. وينجح جوينسون كما يقول نص غلاف الكتاب الأخير، في تقديم ملخص واضح وجذاب وحيوي لعلم نفس الإنترنت. بينما يستخلص في نفس الوقت دروسًا من التقنيات السابقة المتنوعة مثل الهواتف القديمة والتلغراف وحتى الراديو. ومن خلال مزج الحكاية مع نتائج الدراسات النفسية، يقدم هذا الكتاب رؤية واضحة ومقنعة وثاقبة لعلم نفس الإنترنت والآثار المترتبة على استخدامات التقنيات المستقبلية.

 

وهناك أيضًا كتاب نيكولاس كار (Nicholas Carr)، الذي أطلق عليه مؤلفه عنوانا قد يبدو غريبا بعض الشيء وهو “السطحيون (The Shallows)". يعد الكتاب  كما يقال عنه “كتابًا أساسيًا في واحدة من أهم المناقشات في عصرنا. فهل تستحق استفادتنا بمزايا الإنترنت، أن نضحي بقدرتنا على القراءة والتفكير بعمق؟ يتضمن إصدار الذكرى السنوية العاشرة كلمة ختامية جديدة تجعل معالجات الكتاب محدثة، مع فحص عميق للتأثيرات المعرفية والسلوكية للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي".

 

وكما تقول المراجعات المتعددة للكتاب " تغير الإنترنت طريقة تفكيرنا، لكن ليس بالضرورة نحو الأفضل. ولذلك نجد الكاتب يأسف لأن الويب أعاد البشر إلى (حالة التشتت الطبيعية) التي خدمتنا جيدًا عندما كنا رجال الكهوف".

 

وكما تقول (Janet Asteroff)، في مراجعتها المطولة للكتاب "في الواقع، يعترف السيد كار بأنه لكتابة "السطحيون" (The Shallows)، نقل نفسه من ضاحية شديدة الاتصال في بوسطن إلى جبال كولورادو. وكانت هذه الأخيرة تفتقر حينها إلى خدمة الهاتف الخلوي والوصول إلى الإنترنت عالي السرعة. (وتنقل استروف على لسان كار قوله (عندما بدأت في كتابة "السطحيون" في نهاية العام 2007 ، جاهدت عبثًا للحفاظ على ذهني ثابتًا على المهمة. قدمت الشبكة، كما هو الحال دائمًا، كميات ضخمة من المعلومات المفيدة وأدوات البحث المتطورة، لكن الانقطاعات المستمرة لها شتت أفكاري وكلماتي. كنت أميل إلى الكتابة بذهنية منفصلة، بنفس الطريقة التي كنت أكتب بها في مدونتي ".

 

ولم يقتصر الأمر على الكتب المتخصصة، فقد صدرت حول نفس الموضوع مجلة أكاديمية حملت عنوان "علم النفس السيبراني والسلوك والشبكات الاجتماعية (Cyberpsychology, Behavior and Social Networking)"، وهي المجلة الأولى التي تمت مراجعتها من قبل المتخصصين لإجراء أبحاث موثوق بها حول فهم التأثير الاجتماعي والسلوكي والنفسي لممارسات الشبكات الاجتماعية الحالية، بما في ذلك تويتر، وفيس بوك، وألعاب الإنترنت، والتجارة. وتعتبر المجلة مصدرًا أساسيًا في هذا المجال، وكانت في طليعة الدوريات المتخصصة التي عالجت التشبيك الاجتماعي والواقع الافتراضي لأكثر من 20 عامًا. تشتهر بمقالات حول الاتصال السريع ودراساتها المتعمقة حول تأثيرات التقنيات التفاعلية على السلوك والمجتمع، سواء كانت إيجابية أو سلبية.

 

ومرة أخرى قبل الدخول في صلب محتوى الكتاب، لا بد من التوقف، ولو في عجالة، عند سيرة البروفيسور ماري أيكن. تعتبر أيكن واحدة من أفضل الخبراء الرواد في علم النفس السيبراني. وهي أستاذة في علم النفس السيبراني الجنائي في جامعة شرق لندن (University of East London) وأستاذة مساعدة في كلية دبلن الجامعية الإيرلندية (University College Dublin). وبعيدًا عن الجانب الأكاديمي هي عضو في مجموعة الإنتربول العالمية لخبراء الجرائم الإلكترونية، ومستشار أكاديمي للمركز الأوروبي للجرائم الإلكترونية (EC3) التابع لليوروبول (الإنتربول الأوروبي). ويضع بعض النقاد البروفيسور ماري أيكن، في قائمة أفضل الرواد الباحثين في مجال آليات وأنماط "كيفية تغيير الفضاء الإلكتروني لطريقة تفكيرنا وشعورنا وتصرفنا".

 

نكتفي بهذا القدر من التعريف بمؤلفة كتاب "التأثير السيبراني: كيف يغير الإنترنت سلوك البشر". وبالإضافة إلى هذه السيرة الأكاديمية الغنية، يمكن تصنيف البروفيسور أيكن على أنها ناشطة سياسية، غالبا ما تظهر في برامج الإذاعة والتلفزيون.

 

أما بالنسبة للكتاب الذي نحن بصدد معالجته فقد وقع عليه اختيار مجلة التايمز بأنه "كتاب العام" للعام 2016 في فئة الفكر. كما أدرجته مجلة Nature الدولية للعلوم ضمن قائمة أفضل عشرين كتابًا علميًا من فئة الفكر.

 

في كتابها "التأثير السيبراني: كيف يغير الإنترنت سلوك البشر"، الصادر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون، اللبنانية"، في العام 2017، وقام بترجمته مصطفى ناصر، وتولى مراجعته وتحريره "مركز التعريب والبرمجة" اللبناني، تكشف أيكن الكثير من خفايا عالم الإنترنت، أو بالأحرى الشبكة العنكبوتية العالمية. وتتناول بأسلوب غير معقد مختلف جوانب الحياة في مجتمعات الإنترنت الافتراضية (Virtual)

 

وترى الكاتبة، ومن زوايا مختلفة أن حقيقة الأمر أن عالم الإنترنت يستنزف الناس في حياتهم اليومية بطرق بشعة تصل إلى حد إراقة الدماء كما يشهد ضحايا ما يعرف بـ "الويب اللون (ما يعرف باسم The Dark Web)".