البحث العلمي والتسويق

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

 

مع ارتفاع عدد الشركات المُنتجة للأصناف المختلفة من السلعة ذاتها أصبح المستهلك أمام كم كبير من المُنتجات وعليه أن يختار منها وعادة فإنَّ كل شركة تدعي أن منتجها يملك من الخصائص المميزة ما تفتقر إليه المنتجات الأخرى، ويلعب أسلوب عرض وتسويق المنتج دوراً هاماً في توجيه المستهلك لسلعة ما، لدرجة أنَّ البعض منِّا يدفع ثمناً باهظاً لأجل شراء سلع مُعينة بسبب اقتناعه بصحة ادعاءات الشركات المنتجة والمسوقة لمُنتجها.

ومن الملاحظ أننا في السلطنة وخاصة على المستوى المحلي نشتهر بمنتجات معينة معروفة يقبل عليها المستهلك بالرغم من ارتفاع سعرها مُقارنة مع المنتجات الأخرى والتي ترد إلينا من دول العالم المختلفة.

إلا أنَّه وربما يكون من الصعوبة بمكان المحافظة على إقبال الأجيال القادمة على هذه المُنتجات المحلية وخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وانتشار ظاهرة الدعاية والإعلان العالمي.

ومن هنا لابُد من إيجاد أساليب دعائية موثوقة ومميزة لزيادة إقبال المستهلك على المنتجات المحلية، وواحدة من أكثر الأساليب التي يثق بها المستهلك عموماً هو التسويق عبر الدراسات والبحوث العلمية الموثقة والمنشورة في مجلات عالمية علمية محكمة.

إنَّ السبب الذي يجعل الموثوقية عالية في هذه المجلات العلمية هو أنها لا تقبل بنشر أي بحث دون إخضاعه لتقييم دقيق وذلك من خلال إرسال البحث العلمي إلى علماء متخصصين في مجال البحث المقدم ولا يتم الكشف عن هويتهم للباحث ومن ثم يقوم هؤلاء العلماء المتخصصون بتقييم البحث العلمي من حيث رصانته العلمية ودقة الخطوات العملية والتجريبية فيه بالإضافة إلى تقييم عنصر الإبداع و الابتكار في البحث المقدم، فإذا استوفى البحث الشروط المذكورة تتم الموافقة على نشره وإلا يتم طلب إجراء تعديلات وإضافات على البحث حتى يكون مستوفياً لشروط النشر المذكورة، وإذا لم يكن البحث رصينا من الناحية العلمية أو يفتقد إلى عنصر الإبداع والابتكار فيتم رفضه وإرجاعه إلى الباحث، وتصل نسبة الرفض في عدد كبير من هذه المجلات إلى 70% من البحوث المُقدمة.

غير أنَّ الملاحظ أنَّ الدراسات والبحوث العلمية التي تسلط الضوء على المنتجات المحلية التي تشتهر بها السلطنة تعد محدودة للغاية، ولذا فقد قمنا بإجراء بحوث على عدد من المنتجات الزراعية التي لها سمعة جيدة جدًا في السوق المحلية ويقبل عليها المواطن بشكل كبير كالرمان وزيت الزيتون اللذين يتم إنتاجهما بالجبل الأخضر، كما قمنا بإجراء بحوث مكثفة على أصناف العسل المختلفة وبعض الأصناف من الدبس الذي يتم إنتاجه محلياً وتمت مقارنة هذه المنتجات ببعض المنتجات التجارية العالمية المسوقة في السلطنة.

وسوف نقتصر في هذه العجالة على بعض البحوث المرتبطة بأصناف العسل المختلفة التجارية المسوقة في السلطنة وتلك التي يتم إنتاجها محليا؛ إذ إنه وعلى الرغم من اشتهار السلطنة بالعسل المنتج محليًا والإقبال الكبير عليه، إلا أننا فوجئنا بغياب تام لدراسات علمية حول كميات مضادات الأكسدة في العسل العماني في المصادر العلمية الموثقة وفي قواعد البيانات العلمية الكبرى وذلك عندما بدأنا بالبحث قبل حوالي ثماني سنوات، وتشير بعض الدراسات العلمية في مجالات التغذية، إلى أنَّ مضادات الأكسدة تسهم بدور مهم في الوقاية من السرطان ومن أمراض القلب والشرايين.

لقد أوضحت النتائج أن نوعاً معيناً من بين جميع الأنواع المشهورة في السلطنة (يعرف محلياً بعسل السمر) غني وبشكل لافت بمضادات الأكسدة، لكن الدراسات اللاحقة التي قمنا بها أوضحت أن تركيز مضادات الأكسدة في هذا الصنف من العسل يختلف وبشكل كبير جداً وذلك حسب المناطق المختلفة التي تم جمع العسل منها؛ بل إن بعض منتجات العسل التجارية تتفوق على بعض الأصناف المنتجة محلياً في كميات مضادات الأكسدة بالرغم من سعرها الزهيد الذي ربما يقل بعشرة أضعاف عن تلك المنتجة محلياً، لكن بالرغم من ذلك فإنَّ سعر عسل السمر المنتج محلياً يبقى ثابتا بغض النظر عن تركيز مضادات الأكسدة فيه.

إن تركيز مضادات الأكسدة يعد أحد المعايير التي يمكن تبنيها في تقييم جودة العسل، ونقوم حاليا بتطوير طرق سريعة ودقيقة للكشف عن نسب سكر الجلوكوز والفركتوز في العسل المشار إليه ومقارنته بالعسل المسوّق تجاريًا، كما إن تحديد نسب السكر سيُساعدنا في الكشف عن الغش في العسل.

ثمَّة دراسة أخرى أُجريت في مركز مختبرات الغذاء والماء التابع لوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، وذلك في عام 2018، وخلصت الدراسة إلى أنَّ ما يقارب 64.4% من عينات العسل التي تمَّ جمعها من المعرض الذي نظمته الوزارة عام 2016 لا تتوافق مع مواصفات الجودة الموضوعة من قبل هيئة التقييس الخليجية؛ وذلك لأسباب تتعلق بطريقة إنتاج وتخزين العسل، علمًا بأنَّ هذه المواصفات لا تتضمن تحديد تراكيز مضادات الأكسدة في العسل.

إنَّ النسبة العالية من عينات العسل التي لم تتوافق مع نظام الجودة الذي وضعته هيئة التقييس الخليجية تثير قلقًا بالغًا حول مستقبل منتجات العسل العماني، وتشير إلى أن العسل العماني سيواجه صعوبات بالغة للتنافس على المستوى الخليجي فضلاً عن المستوى العالمي.

ومن هنا.. نرى ضرورة دعم الأبحاث التي تُسلط الضوء وتحاول دراسة الأسباب التي أدت إلى ذلك، ومن ثم القيام بتثقيف القائمين على إنتاج العسل بضرورة التقيد بالضوابط الموضوعة.

إنَّ أحد الإجراءات التي يمكن أن تزيد الموثوقية في العسل المنتج محليًا؛ أن تقوم الجهات المختصة بتوفير خدمة إصدار شهادات توثيق جودة العسل وإعطائه تقييمًا رقميًا بناءً على نتائج التحليل المخبري. وهذا النوع من الإجراءات سيعطي فرصة للمنتجين للتعرف على جودة العسل الذي يتم إنتاجه وسيعزز ثقة المستهلك بالعسل المحلي ويزيد من فرص المنافسة العالمية.

إنَّ الاستفادة من هذه البحوث العلمية سيكون له أكبر الأثر على المنتجات المحلية وسيرفع من قيمتها وقدرتها على التنافس على المستوى العالمي كما إنه وبالمقابل سيوجه أنظار أفراد المجتمع إلى أهمية وقيمة البحث العلمي.

************

المصادر:

  • Anal. Methods, 2014,6, 72437249
  • Anal. Chem. 2019, 91, 16, 10631–10639
  • Luminescence, 2018, 33, 5, 863870
  • Food Chemistry 2018, 262, 162–167