التكامل المؤسسي والمجتمعي لتقليل الفاقد التعليمي

 

سعيد بن محمد بن علي المحرزي **

** تربوي

Saidss6699@gmail.com

التكامل هو أحد الأسس التي أرسى الله سبحانه وتعالى بها هذا الكون الفسيح، ولذلك فإنَّ وجود هذا الأساس مطلب ضروري للتعامل مع أيِّ طارئ يطرأ على مختلف نواحي الحياة، وها نحن نمر بأزمة اجتاحت العالم بأسره، أزمة كوفيد-19، وأثرت بشكل مُباشر وغير مُباشر على مُختلف المجالات، ولا يُمكن التقليل من آثار هذه الأزمة إلا بالتعاون والتكامل بين مختلف الأفراد والمؤسسات والمجتمعات والحكومات.

ولقد تأثر التعليم إيجاباً وسلباً بهذه الأزمة، تأثر إيجابا من خلال انتباه الأنظمة التعليمية لضرورة الإسراع إلى التعليم الرقمي والمدمج وعن بُعد وتوفير ما يحتاجه هذا النوع من التعليم من مناهج رقمية وأدوات تقويم وأنشطة ووسائل رقمية وغير ذلك.

وتأثر سلباً بأن كان هناك فاقدا تعليميا تعلميا تعرض له الطلاب خلال هذا العام والعام الفائت، وكان لزاماً على الأنظمة التعليمية أن تعمل على تقليل هذا الفاقد حتى يتمكن الطلاب من تحقيق النتاجات المعرفية والمهارية التي تكفل لهم التفاعل الإيجابي مع الحياة.

وحتى نتمكن من الحديث عن كيفية التقليل من الفاقد التعليمي فإنَّ علينا أن نتحدث قليلاً عن تعريفه وأسبابه، يشير مفهوم الفاقد التعليمي إلى الجهد والوقت والمال المنفق على التعليم دون الوصول لتحقيق النتائج المرجوة، وهناك أسباب مُتعددة لحدوث الفاقد التعليمي، منها أسباب اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو صحية، ولعل الجانب الصحي والمتمثل في جائحة  كوفيد-19 أحد الأسباب الرئيسية وما نتج عنها من تداعيات كان له الأثر الكبير في حدوث الفاقد التعليمي؛ حيث توجهت الأنظمة التعليمية إلى تطبيق التعليم عن بعد أو المدمج للتعليم المدرسي والجامعي، وبسبب حداثة تطبيق الأنظمة التعليمية والأسر والطلاب لهذا النظام من التعليم، وما صاحب ذلك من قلة التجهيزات اللازمة لهذا النوع من التعليم، كالمناهج الرقمية والوسائل التقنية والحواسيب وأساليب التدريس والتقويم الملائمة وضعف وصول الشبكات لبعض المناطق السكنية والمدارس، هذا غير التأثيرات النفسية والاجتماعية المُصاحبة لجائحة كوفيد-19 والتي تؤثر سلباً في تقبل الطلاب للتعلم عن بعد، ناهيك عن حذف جزء من المناهج التعليمية نتيجة تقليل زمن التعلم، أدى ذلك كله إلى وجود فاقد في التعليم والتعلم لدى الطلاب.

وبلا شك أنَّ النظام التعليمي لدينا سيسعى جاهدا للتقليل من فاقد التعليم والتعلم لدى الطلاب بمختلف الوسائل والطرق، ولكن هل سيكفي هذا الجهد في تقليل هذا الفاقد، أم أن هناك حاجة إلى تكامل الأدوار بين مختلف المؤسسات الرسمية كوزارة الإعلام والرياضة والشباب والأوقاف والمؤسسات غير الرسمية كالأسرة والفرق الأهلية والمُجتمع بشكل عام، إنه بلا شك أننا نحتاج إلى تكامل كل هذه المؤسسات، ولعلي هنا أضع بعض الأفكار والتي من خلالها يُمكن لهذه المؤسسات المشاركة بها في تقليل الفاقد التعليمي، وبالطبع ستحتاج هذه الأفكار إلى حوار ومناقشة وتطوير.

أولا: يمكن لوزارة الإعلام المساهمة في تقليل الفاقد التعليمي من خلال استضافة القنوات الفضائية للمختصين التربويين والاجتماعيين في اللقاءات الإعلامية والندوات التي تناقش قضية الفاقد التعليمي وكيفية التقليل من آثاره، كذلك يمكن عرض مقاطع تمثيلية توعوية في هذا الجانب، وأيضاً من خلال إبراز دور بقية الجهات في مجال تقليل الفاقد التعليمي، كذلك يمكن إنشاء قناة تلفزيونية علمية متخصصة بعرض الدروس التعليمية لمختلف المراحل الدراسية بحيث تشكل مرجعا علميا تربويا يمكن للطلاب وأولياء الأمور الاستفادة منها.

ثانياً: يُمكن لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية تفعيل دور الوعاظ والمرشدات الدينيات ومدرسي القرآن من خلال المراكز الصيفية في تعليم القرآن الكريم وتحفيظه للأجيال، وبكل تأكيد لابُد أن يكون هناك تواصل فعَّال مع وزارة التربية والتعليم في هذا الشأن، إن تفعيل دور المرشدين والمرشدات في مدارس الحلقة الأولى والثانية سيكون له الأثر الإيجابي في دعم تعلم الطلاب.

ثالثاً: يمكن لوزارة الثقافة والرياضة والشباب تفعيل دور الأندية الرياضية والفرق الأهلية وذلك من خلال طرح المسابقات الثقافية والعلمية المتنوعة والتي من خلالها يمكن تنمية مهارات الشباب وقدراتهم العلمية والمعرفية، على أن يتم ذلك بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم بحيث يتم تنمية المهارات والمعارف التي بها فاقد تعليمي لدى الطلاب.

رابعا: للأسرة دور محوري في تقليل الفاقد التعليمي لدى أبنائها، وذلك من خلال القراءة والاطلاع في كيفية متابعة ودعم تعلم الأبناء، وأيضاً تنمية مهارة التعلم الذاتي لدى الأبناء، بالإضافة إلى توظيف الإجازة الصيفية في تنفيذ المسابقات العلمية والتربوية داخل البيت، مع التأكيد على أهمية التركيز على المهارات التي يحتاجها الأبناء بصورة أكبر، ولذا على الأسرة التواصل مع المدرسة في نهاية العام الدراسي لمعرفة ما يحتاجه أبنائهم من مهارات ومعارف ويمكنهم تدارك بعضها خلال الإجازة الصيفية مثل مهارات القراءة والحساب، كذلك على الأسرة معرفة كيفية توظيف مواقع التعليم الإلكترونية في دعم تعلم أبنائهم.

إن تكامل هذه المؤسسات مع وزارة التربية والتعليم سيؤدي إلى تقليل الفاقد التعليمي لدى طلابنا بشكل كبير، وكذلك سيعمل على دعم العملية التربوية في مختلف جوانبها.

تعليق عبر الفيس بوك