لا.. ليس بعد

 

غسان الشهابي

نجحت الإرادة الشعبية الفلسطينية، في أن تفرض شروطها على المحتل الإسرائيلي، وتخرج مُنتصرة من الحرب الشعواء غير المتكافئة في أي من أدواتها، ومع ذلك ينتصر الشعب وتنتصر غزة، وتتكبد حكومة نتنياهو الخسائر المادية والنفسية، وستحتاج إلى بضع سنين حتى يتم ترميم كل هذه الخسائر، وخصوصًا على مستوى السياحة والاستثمارات وغيرها، فهذا الكيان الذي روّج لقبّته الحديدية، صار اختراقها مُمكنًا من قبل "حديد" فلسطيني يُصّنع في الورش.

وكما نجحت كتائب عزالدين القسام في هذه المواجهة مع واحد من أعتى جيوش العالم، والمصنف في المرتبة العشرين من بين أقوى جيوش العالم؛ نجحت الإرادة العربية والإسلامية والإنسانية، في لجم الوحشية الإسرائيلية، فلقد تمَّ حصار هذه الرغبة في الولوغ في دماء الفلسطينيين والعرب بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي التي تمَّ استخدامها عالميًا، بكثافة وذكاء، لإيصال الرسالة التي من أجلها نشأ الصراع هذه المرة، وهو الانطلاق من مسألة حي الشيخ جراح، وصمود أهله، وتوالي الأحداث للوصول إلى النقطة الحرجة: المسجد الأقصى، والذي استطاع إشعال فتيل صواريخ حماس ليتصدّى هذا القطاع بأبنائه وبناته لآلة الدمار، وبوابات جهنم التي فتحت من السماوات عليهم.

لقد أدى هذا الحراك على المستوى العالمي لتعاطف ليس له مثيل من قبل مع القضية الفلسطينية، وعرّف أجيالًا من العرب قبل الغرب، بهذا الصراع الذي أرادت حكومات عربية في المقام الأول أن تغبّش عليه، وتستبعده من بؤرة الاهتمام، وتطمس الحقائق، وتضيّع التاريخ، وتميّع المصطلحات، ولكن خاب أملها إذ رأت أنَّ غالبية المتحمسين هم من الأجيال الشابة التي تفتح وعيها الحقوقي، وفهمت معاني الحق والباطل، والظلم والعدل، فلم تجد أنفسها إلا متحدة مع حركات عالمية كلها تقول بضرورة عودة الحقوق إلى أصحابها.

وكما عاد جيش الرسول صلى الله عليه وسلم من إحدى الغزوات وقال لهم: "لقد عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، فإنَّ الجهاد الأكبر بدأ للتو بعد أن انتهى الجهاد الأصغر الذي راح ضحيته المئات من الغزاويين، وآلاف الجرحى، وبنية تحتية متهاوية.

الآن، يحين الجهات الأكبر بأن تستثمر هذه الوقفة العالمية وتقوى، بأن يتم رفدها بجميع الوسائل وذكاء لكيما يختنق هذا الورم السرطاني ذو الشراهة العالية للتوسع، بأن يتواصل العمل الشعبي على الإعلام الذي هو مفتاح مهم جدًا في تغيير وجهات النظر، والذي لطالما استخدمه الصهاينة وجيّروه لصالحهم من قبل نشوء كيانهم الكريه.

لا تضعوا السلاح الإعلامي والحقوقي والتاريخي والإنساني، ليس بعد، لا تزيلوا أعلام فلسطين من منصات تواصلكم الاجتماعي، لا تنتظروا معارك أخرى لترتدوا زي القتال وإن من وراء الشاشات أو بوقفات احتجاج، فقضية حي الشيخ جراح لا تزال تعتمل في محاكم الجور، وأهل الحي لا يزالون تحت التهديد، والخشية من استنزاف الطاقات في هذه المعركة ليتفرغوا لتهويد القدس تمامًا كما يحلمون... فلنبقِ الأصابع على الزناد، فإن انتهت المعركة، فالحرب مستمرة.

** كاتب بحريني