العالم أصابه العمى والبكم

د. حميد بن فاضل الشبلي

humaid.fadhil@yahoo.com

 

 

 

نعود إليكم من جديد بعد انقطاع دام أكثر من ثلاثة أشهر عن الكتابة لظروف صحية طارئة، عودة تُجبر أحاسيسنا ومشاعرنا وقيمنا وإنسانيتنا للبوح بما يعتصر الفؤاد والقلب من آلام، عندما نُشاهد عاصمة الإجرام تل أبيب وهي تتبجح بقتل الأطفال والنساء، وتهدم المنازل والمدارس ودور العجزة والمستشفيات في فلسطين، يحدث ذلك والعالم أجمع في صمت رهيب أمام ما تقوم به الآلة العسكرية الصهيونية، من خرق فاضح وواضح لجميع المواثيق والعهود الدولية التي دائمًا ما تتغنى بها الدول التي تُعرف بالمجتمعات الحديثة المتحضرة، إلا أن ذلك يختلف عندما يكون المعتدي هو إسرائيل الابن المدلل لواشنطن، حين يصبح العالم أجمع (صم بكم عمي فهم لا يبصرون)، لتكون منظمة الأمم المتحدة وأمينها العام البرتغالي غوتيريش أول من يصابون بالعمي والبكم، عن كل الأعمال والجرائم الإنسانية التي تقوم بها قوات الاحتلال في باحات المسجد الأقصى الشريف خاصةً، وجميع مناطق فلسطين الحبيبة بوجه العموم، لذلك نحن الأمة النائمة ومعنا كثير من الأمم خدعونا وأوهمونا بأنَّ المنظمة التي يُديرها غوتيريش، أُنشأت من أجل نشر العدالة واحترام حقوق الإنسان ومساعدة المجتمعات الفقيرة، والتدخل في وقف النزاعات والحروب والاعتداءات التي تطال الدول الضعيفة من قبل الكيانات الظالمة المتغطرسة، إلا أن واقع الحال يقول غير ذلك وخصوصاً في الأحداث الأخيرة التي شهدتها أرض فلسطين في المسجد الأقصى الطاهر، وحي الشيخ جراح وقطاع غزة الباسل وبقية الأراضي الفلسطينية التي طالت إليها الاعتداءات الإسرائيلية الظالمة.

 

الحقيقة أنَّ إسرائيل تؤكد أنها كيان لا يحمل أي مبادئ إنسانية، فلا الظروف الاقتصادية المتدهورة في العالم ولا آلام تفشي وباء فيروس كورونا بين البشرية، منعها من الاعتداء الإرهابي على المصلين في باحات المسجد الأقصى الشريف، وكذلك في إخلاء منازل فلسطينية من أصحابها وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، ولا في عدم الاكتراث بإلقاء القنابل العنقودية والفسفور الأبيض وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليًا على مساكن الأبرياء في قطاع غزة ومن جاورها من المناطق التي تعرضت لهذا الهجوم الغاشم، ومن المُفارقات العجيبة التي تدل على أنَّ القرارات والمطالب التي يُعلن عنها أمين عام الأمم المتحدة لا تنطبق إلا على الدول الضعيفة والنامية ومنها دولنا العربية والإسلامية التي لا حول لها ولا قوة، حيث يُؤكد هذا الكلام المطالبة التي تقدم بها غوتيريش في شهر أبريل عام 2020م مع بداية جائحة كرونا، حيث طالب بوقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم، حين قال: (إن من يدفع أبهظ الأثمان لهذه النزاعات هم الأكثر ضعفًا النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة) مطالبًا الجميع (أتركوا الأعمال العدائية وأخرسوا البنادق وأخمدوا المدافع وأوقفوا الغارات الجوية، وضعوا حدًا لمرض الحرب، وحاربوا المرض الذي يُوهن بعالمنا، من خلال وقف انتشار فيروس كورونا بين البشرية )، ولكن هذا الكلام ليس له وجود مع الاعتداءات الظالمة التي شنتها إسرائيل منذ أواخر شهر رمضان المبارك المنصرم وحتى يومنا هذا، براً وبحرًا وجواً على الأبرياء من أبناء فلسطين المجد والشموخ، لذلك لم نسمع من يُطالب بوقف الهجمات الصهيونية نظراً؛ لخطورة تفشي وباء كرونا، بل من الوقاحة أن إسرائيل تعلن أمام شاشات العالم في كل ليلة باستهدافها لبرج سكني محدد دون أن نسمع استهجان واحد من أي مسؤول أُممي .

وختاماً قبل أن نُلقي اللوم على وحشية إسرائيل وتخاذل الغرب والأمم المتحدة في نصرة الأقصى وشعب فلسطين، علينا أن نُعاتب منظماتنا الإسلامية والعربية التي لم تحرك ساكن الا الشجب والاستهجان وهم يتناولون على المائدة إفطار رمضان. وأكاد أجزم أن غالبية الشعب العربي ليس لديه دراية باسم أمين جامعة الدول العربية، الذي لم أجد له موقف قوي يُعادل حجم الاعتداءات والجرم الذي ارتكبته القوات الاسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، ولكن على كل حال للبيت رب يحميه ولفلسطين شعب جبار يدافع ويقاتل عن أرضه، وسيظل بعون الله شوكة في بلعوم الصهاينة المعتدين، وكل العار لمن تخاذل عن نصرة قضية الأمة، والدفاع عن أولى القبلتين، وثالث الحرمين ومسرى نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، مع التأكيد أن العالم سيبقى أعمى وأخرس في كل ما يخص قضايا الأمة العربية والإسلامية ما لم نحدث التغيير في واقعنا ونكون يد واحدة في مواجهة عدو الله وعدونا .

اللهم اجعل لأهل فلسطين النصرة والعزة والغلبة والقوة والهيبة في قلوب أعدائهم، اللهم اشفي جرحاهم وأطلق أسراهم، اللهم انصر مجاهديهم في سبيلك في برك وبحرك وجوك يا رب العالمين..آمين