المتحدث الرسمي.. خطوة لا تكفي

 

 

د.حميد بن فاضل الشبلي

‏humaid.fadhil@yahoo.com

منذ فترة طويلة عبر المقالات الصحفية، والتغريدات، واللقاءات مع بعض الوسائل الإعلامية، ناشدت مع بقية الكتاب، والإعلاميين، والباحثين بأن تخصص كل مؤسسة متحدثًا رسميًّا يكون المسؤول عن الرد حول أي استفسار أو بيان خاص بتلك المؤسسة؛ لذلك استبشرنا بالتوجه الحكومي الأخير بتعيين شخص يكون المتحدث الرسمي في كل مؤسسة، ولكن للأسف الشديد لم يتواكب هذا التوجه المتخصص مع وضع قوانين وضوابط حول عدم السماح لأيِّ طرف آخر بالتصريح عن اختصاصات وأخبار المُؤسسات؛ لذلك لا يزال الوضع مُستمرًا في قيام بعض أصحاب الحسابات الشخصية، والمواقع الإعلامية الخاصة، والمروجين بالإدلاء بتصريحات دينية، أو خدمية، أو سياسية، أو قانونية، أو تجارية، أو اقتصادية… إلخ، ليس لهم علاقة فيها لا من قريب ولا من بعيد، وليسوا مُلزمين بـ"حشر أنفسهم" وتسيُّد المشهد الاجتماعي بهذه التصريحات، إضافةً إلى أنَّه لا يزال بعضهم يقوم بالتصوير وانتهاك حرمة خدش الحياء في الحياة الاجتماعية، وكذلك التصوير في مواضع مُخلة بالآداب، وفي أماكن غير مسموح فيها بالتقاط أي صور لخصوصيتها. والجميع يُلاحظ أن مثل هذه الأمثلة مُتكررة في كل الأوقات.

وأحداث الوادي الكبير تُؤكد ما أقوله؛ فقد أخذ بعض الأفراد بالتصوير، والنشر، والتحليل من موقع الحدث لحظةً بلحظة، دون خوف، ولا استشعار للمسؤولية في أن هذا التناقل قد تعدى خطوط الوطن، ووصل لكل القارات؛ مما أدخل الوطن في أزمة مع المتصيدين، والحاسدين، والحاقدين؛ لما تتميز به في سلطنة عمان من أمن وأمان، وسيرة عطرة مع التعايش السلمي بين أفراد المجتمع، ومن يقيم على أرض هذا الوطن العزيز؛ لذلك وبسبب تعدد ما تمَّ نشره، وما تبعه من تحليلات وللأسف الشديد من مواطني المجتمع غير المُختصين، وليس من ذوي الاختصاص، أشعرنا بالحزن والضجر من كمية ما تناقلته مجموعات الواتساب والمواقع الإعلامية من صور ومقاطع لا تخدم الوطن، والتي بدورها أسهمت في تصعيد الموقف والسماح للذباب الإلكتروني بالتحليق في كل المواقع بكل أريحية وانتعاش؛ ليدس السم في العسل، ويخرج منها دون أن يُدركه أحد، تاركًا خلفه موجةً من التلاسن والتناحر بين مُتابعي تلك المواقع الإعلامية.

اقتحام قوات الأمن وهي تؤدي واجب الوطن ينقل ويصور دون خوف، وذلك لعدم صدور عقوبات سابقة تم نشرها والإعلان عنها لمتعدي مثل هذه الخطوط الحمراء، أسهم في تمرد هؤلاء المتطفلين والمستغلين لأي حدث؛ ليتربعوا على المشهد الإعلامي والاجتماعي، مع التأكيد على أنَّ حرية التعبير عن الرأي، والنقد البناء لقضايا الوطن، وكذلك المطالبة بالخدمات التي يحتاجها المجتمع هي أمور لا يختلف عليها أحد.

لن أُطيل في السرد والشرح، ولكن كمُواطن وبكل تأكيد معي كثيرين من أفراد المجتمع، نأمل من الحكومة -ونقصد هنا الجهات المختصة- ضرورة وضع القوانين والضوابط التي تمنع تزايد هذه الغوغاء التي يقوم بها بعضهم من نشر محتويات هابطة هدفها فقط زيادة عدد المتابعين، ولو كانت لا تتوافق مع تعاليم الدين والسنة النبوية، وكذلك مع أعراف وعادات المجتمع، إضافةً إلى أن كثيرًا من المواد الإعلانية والإعلامية تنتهك قوانين وأنظمة الدولة. نحن نتفق على أن الفرد حر، يفعل ما يشاء في المُحيط المغلق عليه، ولكن نشر أي صور أو مقطع يسيء للوطن والمجتمع يعد خطًا أحمر أتمنى عدم تجاوزه.

ولذلك نقول: إن تعيين متحدث رسمي لكل جهة خطوة لا تكفي، ويجب أن تتبعها قوانين وضوابط تحدد المسؤوليات والاختصاصات، وتُحدد جزاءات تعاقب أي تجاوز لكل ما سبق. كذلك تجربة المتحدث الرسمي تحتاج تقييمًا حول مدى تحقيق أهدافها التي من أجلها وُضِع قرار إنفاذها؛ من حيث سرعة التفاعل، والمصداقية، والوسائل المستخدمة، والأسلوب والأدلة، وهل أوجدت القناعة لدى الرأي العام في تعاطيها مع الأحداث، وغيرها من النقاط الأخرى التي تحتاج إليها عملية التقييم والتطوير لهذه التجربة المهمة.