الفاجعة.. جدتي توفاها الله

حمد بن صالح العلوي

al3alawi33@gmail.com

قارئي العزيز..

سعد صباحكم، وحسن حالكم، وطابت أوقاتكم، وأنتم تتمتعون بفضل من الله تعالى بالصحة والعافية، وهناء حال، وصفاء بال بعيدين عن كل كدر.

كل منا، صغيرنا وكبيرنا، ذكورا وإناثا، شيبا وشبابا، يؤمن بأنّ القصة رواح للعقل، وأنس للوحشة، وملء لوقت الفراغ، إضافة إلى ذلك أن القصة عبرة وعظة لغافل، وعلاج لمسيئ ورواح لمحسن.

قارئي العزيز..

سمعته ونبرات صوته خانقة.. قلت له: أخي صالح.. خيرا ماذا أصابك؟ هل من خبر أزعجك؟ أم أمر ضايقك؟

قال: جدتي توفيت!

قلت له: غفر الله تعالى لها، وغفر لنا، وأصلحكم وأصلحنا، وصبركم وأعانكم.

أيمكن أن تحكي لنا الحكاية بعد أن تهدأ؟ رد قائلا: إن شاء الله.

وبعدها أخذ ورفع الكوب وسمّ الله تعالى وشرب الماء ثم استأذن وقام من مجلسه. بعدها كل منِّا ذهب إلى حال سبيله، ولم يتم التواصل إلا ما ندر، خوفاً من إزعاجه أو تذكر ما كان بينه وبين جدته من حب وود واحترام.

مرَّ يومان ولم يكلم أحدنا الآخر.. وفي اليوم الثالث من شهر رمضان المبارك، أخذتُ هاتفي النقال، وبحثت عن اسمه ورقمه، ووجدته، ومن ثم وبعد ثلاثة أيام ضغطت على أزرار الهاتف حتى جاءني من الاتجاه المقابل.

نسمع التهليل وإلقاء التحية والسلام، رددت التحية بأحسن منها، ثم استقر الأمر إلى طيب الكلام. وفجأة قال صاحبنا: صالح الآن سأخبرك عمّا كان بيننا بالأمس من حديث.

عن الأحداث المأساوية تريد.. وقال بعد أن تنفس الصعداء: كان عمي مسافرا لإحدى الدول الآسيوية، وذلك لمهمة عمل، وعند عودته إلى أرض الوطن، طلب منه البقاء في الحجر المنزلي الإلزامي، لحين ظهور نتيجة فحص "كوفيد-19" التي أجريت له، ولكن مشاعر الشوق لجدتي كانت أقوى منه، وتوجه فورًا إلى منزلها وإخوانه، والذي لا يبعد سوى أمتار بسيطة من بيتهم، وكانت تظهر عليه أعراض المرض الخفيفة، وقال في نفسه: ربما بسبب تغير الأجواء أو بسبب الرحلة الطويلة.

وتابع حكايته: في كل مرة، يخبرنا أنه لا يشعر بشيء، إنه بخير وعافية، وبعد ساعات معدودة كانت الصدمة بالنسبة لعمي "محمد" أنه مصاب بكوفيد-19.

وقد قام بعزل نفسه في منزله، لكن فات الأوان.

وأخذ صالح يكفكف دمعه، وقال: الفيروس انتشر بين أفراد عائلتنا وكانت الضحية جدتي رحمها الله تعالى، وهي كبيرة في السن، وبعدها تبين لنا أنه أصيب 7 من أفراد العائلة بالفيروس، وحسبي الله ونعم الوكيل.. انتهى.

قارئى العزيز..

حكاية أخرى ترويها لي إحدى الأخوات، فتقول: باختصار شديد، شاب يعيش هو ووالده ووالدته وأخواته، به الأعراض ولا يعلم، قد أصاب والده ووالدته وأخواته وفقد أربعًا من عائلته. أما هو فتعافى، وبعد فترة بعدما قضى أسابيع وربما شهور منوم في المستشفى بالعناية المركزة، أخذ يلوم نفسه على عدم التزامه أو الإهمال، ووصل به الحال إلى حالة الاكتئاب والانعزال عن الناس، وأدخل المستشفى للعلاج، لكنه كلما تذكر الحادثة، تألم في داخله، وخاف على كل من حوله، على أن يقع نفس الأمر معهم، بما أن المرض الكثير من الناس يرونه مرضا أو فيروسا عاديا لا يعلمون مدى الخطورة، إلا عندما يفقدون أحدا من أهلهم، وبالتالي يدركون الخطورة، ومن قوة الأعراض التي تصيبهم وتنتقل العدوى لمن هم قريبون منهم.

قارئي العزيز..

اتق الله تعالى والتزم، والزم بيتك ولا تخرج إلا للضرورة، حفظنا وإياكم وحفظ بلادنا وأهلنا وإخواننا وإحباءنا بنين وبنات. وسلمكم جميعا من كل سوء ومكروه.