بأي حالٍ عُدت يا رمضان؟!

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

يدخل علينا سيد الشهور دون منازع، شهر رمضان المبارك، للسنة الثانية على التوالي، ونحن نفتقد للروحانيات وأداء صلاة التراويح في بيوت الله، فحين تدخل المسجد وتهم بأداء الصلاة مع إمام الجماعة، وأنفاسك تستنشق رائحة اللبان العطرة وعبير البخور الزكية، وتستمع بخشوع لآيات من الذكر الحكيم بصوت شجي جميل، فأنت تُبحر بمخيلتك هربًا من الواقع إلى أجواء روحانية أخَّاذة في مخاطبة النفس والذات، وتتفكر في ملكوت آيات الله من خلال الهِبة الربانية: القرآن الكريم كتاب الله الخالد على مر العصور.. سامح الله كورونا فقد أفقدنا لذة صلاة التراويح وأجواء شهر رمضان شهر التوبة والغفران والأَوبة إلى الله.

سوف نفتقد لجمعة العائلة على مائدة إفطار رمضان، فلها طعم خاص لا يُعوَّض ولا يتكرَّر في سائر الشهور، سوف نفتقدها ونفتقد حكمة أب وحنين أم وضحكة طفل وتوجيه أخ وابتسامة أخت، حين تكون المائدة عامرة بِمَن حَضَر، لا بما لذ وطاب، فمع الأحبة تحلو الصُّحبة حيث يكون للقاء طعم ومعنى؛ فالحقد يزول والكره يتلاشى والزعل يتحول إلى رضا ووفاق؛ فالقلب صافٍ والذهن هادئ والمشاعر جياشة في شهر الخير والبركة، مملؤة حبًّا ووئام.. سامح الله كورونا؛ فقد أفسد علينا جمعة الأحبة والخلان.

سوف نفتقد أجواء الشهر الفضيل من دروس المسجد القيمة ومواعظ الأئمة والمشايخ النيرة، كما سنفتقد اللقاءات الشبابية الرياضية؛ سواء كانت فردية أو جماعية حين يتجلى الحماس الرياضي وسط صيحات الشباب في الملاعب الخضراء، أو التريُّض بالمشي مسافات وسويعات برفقة صديق تشاركه الأفكار والرؤى، وتثق فيه لبث الهموم والشجون، وصَدَق الإمام الشافعي حين قال: "سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا... صديق صدوق صادق الوعد منصفا".. سامح الله كورونا حين أفقدنا المتعة بملاقاة الأصدقاء الأوفياء.

في شهر رمضان المبارك، شهر الخير والبركات والأجر العميم، تفقَّدُوا حالَ إخوانِكم وأقربائكم وجيرانكم، وأعِينُوهم على أمورِ دينِهم ودُنياهم وتلطَّفُوا في ذلك، فإن منهم مَن قال الله فيهم: "يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا"، فالتمسوا احتياجاتهم؛ فنتيجة الأحوال الراهنة جراء تفشي فيروس كورونا، فقد الكثير أعمالهم، وتعطلت المصالح، وكسدت التجارة، ولنعمل بقول الرسول صلوات ربي عليه صلى الله عليه وسلم: "من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ ومن يسّرَ على معسرٍ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ. ومن سترَ مسلمًا، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ. واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه".

إنَّها محنة واختبار، وسوف نمر من كل ذلك بإذن الله تعالي، فمن نحن مقارنة بسيدنا أيوب النبي الصابر حينما صبر على ابتلاء ربه سنين عديدة، فلم يشتكِ ولم يتذمر، بل كان لسانه يلهج بالدعاء: "إنِّي مسَّنِي الضُّرُّ وأنتَ أرحَمُ الرَّاحِمِين"، فلنكن على البلاء صابرين وللشدة محتسبين فما من كرب إلا بعده فرج، ولا شدة إلا يعقبها يسر؛ فعلينا جميعا الوقوف صفا واحدا لمواجهة هذا الفيروس الخبيث والحرص على اتباع كل ما يصدر من قبل اللجنة العليا من قرارات، ومن وزارة الصحة من تحذيرات واحتياطات، لدرء كل خطر جاثم.. حفظ الله عُمان وشعبها من كل سوء ومكروه، وبإذن الله الواحد الأحد سوف تنجلي الغمة، وتنقشع الغُمَّة لتعود ديمومة الحياة كما هي على طبيعتها جميلة بهية.

أعزائي القراء...، سيتوقف هذا المقال خلال شهر رمضان المبارك. تقبل الله صيامكم وقيامكم وصالحات أعمالكم، وكل عام وأنتم بخير، ولكم مني خالص الود والتقدير.