الأخذ بقاعدة "الغلط الشائع يولد الحق" (1- 2)

د. مصطفى راتب *

* أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

نُعالج في هذا المقال مسألة الرهن الصادر من الوارث الظاهر؛ حيث لم يتضمن قانون المعاملات المدنية العماني نصًا على حكم تصرفات الوارث الظاهر، لذلك كان الرأي السائد في الفقه والقضاء -في ظل قانون المعاملات المدنية العماني- يذهب لبُطلان رهن الوارث الظاهر، وعدم سريانه في مواجهة المالك الحقيقي؛ ذلك لأن الوارث الظاهر لا يستطيع أن ينقل لغيره أكثر مما يملك، كما لا يجوز الاحتجاج على الوارث الحقيقي بتصرف لم يشترك فيه.

وإزاء ذلك، حاول بعض الفقهاء التخفيف من شدة هذا الرأي؛ خصوصا أنه لا يتفق مع قواعد العدالة، ولا يؤدي إلى استقرار المعاملات وحماية الائتمان، وذلك بالاستناد إلى نصوص مواد قانون المعاملات المدنية العماني. والحالات التي يتحقق فيها فرض الوارث الظاهر طبقا لما استقر عليه القضاء.. هي:

الحالة الأولى: كون الوارث الحقيقي مفقودًا

تخضع هذه الحالة لأحكام الشريعة الإسلامية؛ حيث تضم أحكام الإرث بالنسبة للمفقود، ومن المعروف أن المفقود هو الغائب الذي انقطع خبره وجهل مكانه ولا يعرف حياته من مماته. وقبل أن يتبين حقيقة أمره يجعل حيا بالنسبة لماله فلا يرثه أحد ولا يقسم ماله بين ورثته. ويجعل ميتا في مال غيره فلا يرث من مات من أقاربه، ولكن يوقف نصيبه. فإذا تبينت حياته فإن ما ورثه من الغير يتملكه في حينه، أما إذا تبينت وفاته اعتبرت تركته موروثة لمن كان موجودا حين الوفاة، وثبت إرثه هو فيمن مات قبل تاريخ وفاته، وكان ذلك كله تركة عنه لورثته.

الحالة الثانية: البطلان والرجوع في الوصية

إذا قام الموصى له بوصية باطلة، أو بوصية حصل الرجوع فيها بوصية لاحقة، برهن العقار الموصى به، ماذا يكون حكم الرهن في هذه الحالة؟ في حالة تجاوز النصاب الجائز التبرع به أو عدم إبقاء القدر المفروض للورثة، كان يعتبر غير سارٍ في حق الورثة، فإذا ما صدر حكم بإلغاء الوصية في هذه الحالة، فإنه يؤدي إلى زوال الملكية بأثر رجعي. إلا أن ذلك الحكم يجب ألا يضر بحقوق المتصرف إليهم أو بحقوق الدائنين المرتهنين حسني النية. وبناءً على ذلك، إذا كان الموصى له قد رهن العقار إلى دائن حسن النية، ثم طلب الورثة إلغاء الوصية بالنسبة للقدر الجائز الإيصاء به، وقضت المحكمة بذلك، فإن ذلك لا يضر بالمرتهن الذي يبقى حقه في الرهن قائما على كل العقار. أما إذا أبطلت الوصية أو تم الرجوع فيها بوصية لاحقة، فماذا يكون حكم الرهن الصادر من الموصى له؟ الإجابة هي: عدم تأثر الرهن بفسخ أو بطلان العقد الناقل لملكية الراهن.

الحالة الثالثة: استيلاء الوارث الأبعد في درجة الإرث على مال المتوفى للجهل بالوارث الأقرب أو للاعتقاد بتنازله عن حقه

وهنا نسأل: إذا ما رتب هذا الوارث رهنا على هذا المال، ماذا يكون حكمه؟ هذه الحالة الوحيدة التي يرى الفقه أنه يمكن أن يتحقق فرض الوارث الظاهر فيها، إلا أنه يلاحظ أنه يمكن أن نضيف إلى هذه الحالة حالة الموصى له الذي أبطلت وصيته أو تم الرجوع فيها بوصية لاحقة؛ حيث الحكمة من إبقاء تصرف الوارث الظاهر وحماية الدائن حسن النية متوفرة في الحالتين. لذلك؛ ثار خلاف بين الشراح حول حكم التصرفات الصادرة من الوارث الظاهر.

البعض يرى أن هذه التصرفات لا تسري في مواجهة المالك الحقيقي؛ فهي تصرفات تصدر من غير مالك، لذلك تأخذ حكم التصرف الصادر من غير مالك، وبذلك يعتبر رهن الوارث الظاهر باطلا، وغير نافذ في حق المالك الحقيقي، إلا أنَّه يُمكن التوصل طبقا لهذا الرأي إلى حماية الدائن المرتهن حسن النية عن طريق تطبيق قواعد القانون، والتي تنص على أنه يبقى قائما لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذى تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغاؤه أو زواله لأي سبب آخر، إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أبرم فيه الرهن.

وبناءً على ذلك، يبقى حق الدائن المرتهن من الوارث الظاهر قائما، رغم زوال ملكيته بحكم نهائي، متى أشهر هذا الوارث حق الإرث، وقام الدائن المرتهن بقيد حقه قبل تسجيل عريضة الدعوى التي صدر فيها هذا الحكم، وكان الدائن وقت نشوء الزمن حسن النية، بوجود الوارث الحقيقي. أي لا يعلم ولا يستطيع أن يعلم بوجود الوارث الحقيقي.

أما إذا كان الدائن سيئ النية، أو قيد حقه بعد شهر عريضة دعوی الوارث الحقيقي، فإن حق هذا الأخير ينفذ قبل الدائن، ويتعين زوال حق الرهن تبعا لزوال ملكية الوارث الظاهر.

أمَّا أغلبية الشراح إزاء عدم وجود نص يحكُم تصرفات الوارث الظاهر، فإنهم يرون الاسترشاد بما استقر عليه الفقه والقضاء في فرنسا من حماية للأوضاع الظاهرة بدون سند تشريعي؛ وذلك طبقا لقاعدة "الخطأ الشائع يولد الحق". فهذه الحماية تقتضى تغليب الواقع على القانون استجابة لتحقيق العدالة، واستقرار المعاملات وتشجيع الاثنين ووجوب حماية حسن النية.