دائن التركة مقدَّم على دائن الوارث

 

د. مصطفى راتب

أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

من يتعاقد مع الوارث قد يفاجأ بظهور دائن عادى للمورِّث (المتوفَّى) يُريد استيفاء دينه من ثمن العقار، وله الحق في تتبع العقار تحت يد المشتري؛ حيث لا تركة إلا بعد سداد الديون. لذلك أوجب نظام السجل العقاري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 2 لسنة 1998م في المادة (31) شهر حق الإرث بنصها، على أنه "يجب تسجيل حق الإرث إذا اشتملت التركة على حقوق عينية عقارية، وذلك بتسجيل السندات المثبتة لحق الإرث التي تتضمن نصيب كل وارث. وإلى أن يتم هذا التسجيل لا يكون لتصرفات الوارث من الأثر سوى الالتزامات الشخصية. ويجوز أن يقتصر التسجيل على جزء من التركة تبنى عليه تصرفات الورثة"، وإلى أن يتم هذا الشهر لا يجوز شهر أي تصرف يصدر من الوارث في حق من حقوق التركة.

لذلك؛ نناشد المشرع العُماني أن ينص على وجوب التأشير بالمحررات المثبتة لدين من الديون العادية على المورث في هامش تسجيل حق الإرث، وجعل هذا التأشير يُحتج به من تاريخ حصوله، إذا تم في خلال سنة من تاريخ شهر حق الإرث المشار إليه.

مما سبق، يتبيَّن أنَّ الوارث لا يستطيع أن يرهن العقارات التي تؤول إليه بالميراث، إلا إذا أشهر حق الإرث، فإذا رهن أحد عقارات التركة قبل شهر حق الإرث، فإن الدائن المرتهن لا يستطيع أن يقيد الرهن. وبذلك لا يكون للرهن أي أثر بالنسبة للغير. أما إذا أشهر الوارث حق إرثه فإن الدائن المرتهن يستطيع أن يقيد رهنه ويحتج به على الوارث ودائنيه. وعلى دائني التركة العاديين إذا قام هؤلاء الآخرون بالتأشير بديونهم على هامش تسجيل حق الإرث بعد سنة من إجراء هذا التسجيل. أما إذا أشروا بديونهم في خلال سنة من هذا التسجيل فإنهم يتقدمون بديونهم العادية على الدائنين المرتهنين.

واوجب نظام السجل العقاري في السلطنة قيد حق الإرث إذا اشتملت التركة على حقوق عينية عقارية، بقيد السندات المثبتة لحق الإرث مع قوائم جرد التركة التي يجب أن تتضمن نصيب كل وارث، وإلى أن يتم هذا القيد لا يجوز للوارث أن يتصرف في حق من هذه الحقوق.

ويُلاحظ أنَّ قانون السجل العقاري لا يجيز للورثة التصرف في أي حق من الحقوق العينية العقارية التي تشتمل عليها التركة قبل قيد حق الإرث. وبذلك تعتبر هذه الحالة من الحالات الاستثنائية التي حد فيها القانون من سلطة المالك في التصرف، ويستند المنع من التصرف في هذه الحالة إلى مبررات عملية. وعلى ذلك، فلا يستطيع الوارث في ظل قانون السجل العيني أن يرهن العقارات التي تشتمل عليها التركة إلا إذا قيد حق الإرث، حيث يمتنع عليه التصرف قبل إجراء هذا القيد. ولما كان الرهن لا ينشأ حتى فيما بين المتعاقدين إلا بقيده في السجل؛ لذلك يتعين قيد حق الإرث أولا ثم قيد الرهن بعد ذلك حتى يمكن أن ينشأ حق الرهن حتى فيما بين المتعاقدين.

كما يجب أن ينص قانون السجل العقاري على التأشير بالمحررات المثبتة لدين من الديون العادية على المورث في صحف السجل العيني المخصصة لأعيان التركة أو حقوقها، ويجب على الدائن إعلان كل ذي شأن بقيام الدين قبل التأشير به.. ويُحتج بهذا التأشير من تاريخ حصوله.

ومع ذلك، إذا تم التأشير في خلال سنة من تاريخ القيد المشار إليه، فللدائن أن يحتج بحقه على كل من تلقى من الوارث حقا عينيا وقام بقيده قبل هذا التأشير. وعلى ذلك يجب على الدائنين العاديين للمورث قبل التأشير بديونهم على هامش قيد حق الإرث أن يعلنوا الورثة وكل من يكون قد قيد حقه في السجل على أعيان التركة، مثل المشترين أو الدائنين المرتهنين للورثة. فإذا قام أحد الدائنين العاديين للمورث بالإعلان وأشر بحقه على هامش قيد حق الإرث وقبل قيد رهن الدائن المرتهن الصادر من الوارث كان دائن التركة مقدما على دائن الوارث. وكذلك إذا أشر دائن التركة بدينه بعد قيد الرهن ولكن قبل انقضاء سنة من تاريخ قيد حق الإرث، لأن التأشير في هذه الحالة يكون له أثر رجعي من تاريخ هذا القيد. أما إذا أشر دائن التركة بدينه بعد انقضاء السنة، فإن الدائن المرتهن من الوارث يكون مقدما عليه؛ وذلك إذا سبق قيد الرهن التأشير بحق دائن التركة العادي.

أما إذا لم يقم الورثة بقيد حق الإرث، فإنه يبقى للدائن أن ينفذ بدينه على عقارات التركة؛ حيث لا يجوز للورثة قيد أي تصرف في هذه العقارات إلا بعد قيد حق الإرث، وبالتالي لا تنتقل ملكية هذه العقارات إلى المتصرف إليهم تطبيقا لقاعدة القيد المطلق الذي يأخذ به قانون السجل العيني وإعمالا للقاعدة: "لا تركة إلا بعد سداد الديون".

ويلاحظ أن قانون السجل العقاري لم يتعرض للحالة التي يكون فيها حق الدائن منازعا فيه، ولم يتمكن الدائن من الحصول على سند به، إلا بعد فوات سنة من تاريخ قيد حق الإرث، فقد يكون سند الدين صحيحا ويقرر الورثة المنازعة في الدين والطعن في سنده، حتى لا يتمكن الدائن التأشير بدينه في خلال السنة التي حددها القانون. فإذا حصل الدائن على حكم بصحة سند الدين بعد فوات السنة وقام بالتأشير به، فهل له أن يحتج بهذا التأشير على المتصرف إليه الذي قام بقيد حقة قبل التأشير؟!

من المسلَّم به أنَّ دعوى المنازعة في الدين لا يمكن اعتبارها ضمن الدعاوى التي يجب التأشير بها طبقا لقانون السجل العقاري، لذلك لا يمكن للدائن أن يحتج بحقه في هذه الحالة على المتصرف إليه. كما أن قانون السجل العيني لم يأخذ بنظام التأشير بالقيود الاحتياطية الذي يأخذ به القانون السويسري والذي بموجبه يمكن أن يمنح الدائن في هذه الحالة الحق في أن يقيد في السجل حقه الاحتمالي كقيد احتياطي؛ بحيث إذا تمكن من الحصول على حكم أو سند بحقه فيما بعد، وقام بالتأشير به، انسحب أثره إلى تاريخ التأشير بالقيد الاحتياطي، وبذلك يتمكن الدائن من أن يحافظ على حقه ضد أية منازعة غير جدية.

لذلك؛ نرى ضرورة أخذ قانون السجل العقاري بنظام القيود الاحتياطية التي أخذ بها القانون السويسري.