الشباب لن يعود!

جيهان رافع

علميًّا: سرعة الغزال تبلغ 90 كم/س وسرعة الأسد تبلغ 58 كم/س، لكن السؤال: لماذا الأسد يستطيع افتراس الغزال مع اختلاف سرعتهما؟ الإجابة تكمن في خوف وارتباك الغزال من قوّة الأسد، وتركيز تفكيره على الهروب فقط، لكن لو فكر الغزال أنه أسرع من الأسد وأنه يمتلك القدرة على التخلص منه والتفكير بالمكان الذي سيحميه لما افترسه الأسد.

وهكذا جيل الشباب اليوم لو فكر بهدف واحد لصناعة مستقبله وركز تفكيره على طريق الوصول إليه، وعلم أن لديه مقدرة على التمتع والعمل وصناعة الذات، لما خاف من افتراس الوقت لمتعته بالحياة ولسن شبابه الذي هدر أغلبيته بالخوف من القرار وبعدم ثقته بقدراته وخوفه من آراء الناس به أيضًا يُسهم بالكثير من العقبات في طريقه.

كُنت أمرر أنامل ذاكرتي على لوحة تلك السنين الكثيرة التي جمعتني بقلبي التائه البسيط الذي شاخ ولا يزال لا يعلم أنّ البدايات لكل حالة أو مرحلة هي مجرّد أيام وتمضي، بل هو مقتنع بفكرة أن غدًا لناظره قريب، ومرّت السنون وجاء الخريف وسرق من العمر ذهب الربيع، نعم إنَّ ربيع العمر هو ذهبٌ إنْ لم نحافظ عليه سرقه منا الخريف وقحط الأيام، فيا أيها الإنسان الذي ما زال في مقتبل الربيع اخرج من صندوقك الذي أقفله عليك مفتاح الطموح الواحد أو البحث في جهة واحدة، وانظر إلى ما هو أبعد من مساحاتك، اتجه نحو ما يبقيك على قيد الرغبة بالحياة، ففقدان هذه الرغبة بالعيش والبكاء على الأطلال هو أخطر أنواع الجلد الذاتي، سمعنا كثيرًا من ذوي الاختصاص في جلب الطاقات الإيجابية واستقدام النور إلينا، وبالفعل تحقق البعض منها فمثلًا إذا فكرت بالمرض سيأتيك، وإذا فكرت بحلٍّ لمشكلة ما سيأتيك الحل المناسب ربما، فعلى قدرِ تفكيرك تجلب لك الذرات الكونية ذلك.

ومن ناحية أخرى، يسأل البعض عن حياة أولئك الأشخاص الذين قضوا وقتًا طويلًا في حثنا على التفكير الإيجابي واستقبال الأشياء بسهولة وبأملٍ أكبر، هل حياتهم جميلة كما يتضح عليهم؟ وهل ما يقولونه لنا يطبقونه بالفعل؟ وهل لديهم الهموم والمشكلات التي نمر نحن فيها؟ أم أنهم تغلبوا على كل التعاسة بطرق تفكيرهم؟

الإجابة أننا لا نعلم إذا كان فعلًا على الشخص أن يعيش تعاستنا ليشعر بنا ويتحدث بالنيابة عنا؟ أم أنه يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقوله؟ أو أنهم خُلقوا بظروف جيدة إلى جيدة جدًا فراحوا ينادون بأفكارٍ جاءتهم جاهزة على طبق من فضة، ونسوا أن هناك أشخاصا ليس لديهم أي ظرف يسمح لهم بمواكبة ومتابعة تطبيق أفكارهم وحثهم؟ لكنَّ الشيء الوحيد الذي استخلصته تجربتي، وأريد أن أقوله لكم: "الشباب لن يعود بكم إلى نقطة البداية، والنهايات لا ترحم المتخاذلين والخائفين الذين يقولون أنا لا أستطيع، ولا تضَع لكم الأعذار، كما لم تضعها لنا، ولن تكترث لظروفكم كما لم تكترث لظروفنا ولمشاعرنا التي جعلناها شمّاعة علقنا عليها إهدارنا لوقتنا وتقوقعنا في فقاعات الوهم والحلم، حتى أبقينا على أحلامنا مجرّد أحلام ولم نعِ إلّا بعد فوات الأوان.

خذوا بيد أحلامكم، وحلّقوا معها، وأبعدوها عن نيران الكسل والخمول والاتكال، اجعلوها خالدة من بُعدكم؛ فلا شيء يذهب معكم إلى النهاية سوى أفعالكم وسعيكم، فلا تدعوا الأوان يفوتكم.