النقص في الثمن.. من أسباب فسخ العقد

د. مصطفى راتب *

* أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

كأن يشتري زيد من عمر عقارًا بـ50000 ريال عماني، وقيمته الحقيقية في السوق 250000 ريال عماني، فيستغل زيد صداقته مثلاً بعمر؛ فهذا ما يُسمى غبناً، فهنا الفارق كبير ويوجد عدم تعادل بين ما يعطيه المتعاقد وما يأخذ بمقتضى العقد، فإذا توافرت شروط الغبن فهنا يستطيع الطرف المغبون أن يطلب فسخ العقد بما يرفع عنه الفحش في الغبن، والغبن اليسير لا يُعتد به المشرع؛ لأنه يحدث كثيراً في التعاملات بين الأفراد ولا تخلو منه معاملة وقد عرف الغبن بأنه استغلال بأن يعلم الغير بغفلة شخص فيستغل هذه الحالة ويستصدر منه تصرفات لا تتعادل فيه التزاماته مع ما يحصل عليه من فائدة.

وقد يحدُث التغرير بأن يذكر أحد المتعاقدين للآخر أموراً ترغِّبه في الإقدام على التعاقد معه، أو أن يقوم بإجراءات فعلية تدفعه للتعاقد معه؛ كأن يقوم البائع بترغيب المشترى بالبضاعة بأن يصوِّر له أن هناك ندرة كبيرة فيها بسبب انقطاع استيرادها، فيقوم المشتري بناءً عن هذا الادعاء الصادر من قبل البائع بشراء البضاعة.

والتغرير هو نفسه التدليس استناداً إلى الفقه الحديث، وهو استعمال طرق احتيالية تدفع المتعاقد الآخر إلى غلط يدفعه للتعاقد. والتغرير يحصل بطرق شتى؛ منها قولية ومنها فعلية، وكلاهما يُظهِر السلعة بغير مظهرها الحقيقي، فيدفع الطرف الآخر إلى التعاقد بناءً على ذلك . والغبن هو عدم تعادل العوضين وهذا قد يحصل نتيجة تغرير، وقد يحصل بدونه، والتغرير خداع، وهذا قد يؤدي إلى غبن غير متسامح فيه . والتغرير يعني الخداع، وإيهام الشخص بما يرغبه في التعاقد، وهوعلى ثلاثة أنواع:

1- تغرير فعلي.

2- تغرير قولي.

3- تغرير سكوتي.

أما التغرير الفعلي؛ فهو قيام المتعاقد بأفعال تؤدي لإظهار المعقود عليه بغير مظهره الحقيقي؛ بما يؤثر على المتعاقد الآخر، ويدفعه للتعاقد تحت هذا المظهر الكاذب؛ ومنها: صبغ السيارة القديمة، صبغ البيت القديم، تزيين وجه الفواكه والخضار المنتشر في عالم اليوم. والحقيقة أن كثيراً من وسائل العرض الحديثة تخرج عن كونها مجرد وسيلة لتعريف المستهلك بالبضاعة إلى حالة من حالات التغرير الفعلي، ويقابل هذا الموضوع التدليس باستعمال طرق احتيالية كالقوانين التي أخذت به كالقانون الفرنسي والقانون المصري.

أما التغرير القولي، فهو أيضًا إظهار للسلعة بغير مظهرها الحقيقي، ولكن بالكلام وليس بالفعل، وعلى هذا الأساس نستطيع القول إنَّ كثيراً من وسائل الدعاية والإعلان المنتشرة في الوقت الحاضر تُمارس هذا النوع من التغرير. فهي تتعدَّى عملية الترويج للبضاعة إلى إضافة صفات عليها غير موجودة فيها على الإطلاق أو موجودة، لكنها ليست بالكمية أو النوعية التي تصوِّرها هذه الإعلانات الكاذبة. ويعد تقريراً قوليا كل بيان كاذب يُدلي به صاحبه عن حالة مطلوب إيضاحها للطرف الآخر؛ ليقرر على ضوء ذلك الدخول أو عدم الدخول في الرابطة العقدية. والتغرير السكوتي عن طريق الكتمان هو قيام المتعاقد بإخفاء أي أمر كان من الضروري أن يعلم به المتعاقد الآخر؛ سواء كان في البيع أوغيره.

غير أنَّ المشرِّع العُماني لم يأخذ بالغبن وحده كعيب من عيوب العقد وحده، كما أنه لم يأخذ بالتغرير وحده كعيب من عيوب الرضا.

إلا أنَّنا نلتمَّس من خلال قراءتنا لنصوص قانون المعاملات المدنية العماني أنه لم يهمل الغبن وحده تماماً بما يؤدي لمساءلة الغابن عن تعويض المغبون. وخَرَج المشرِّع العُماني عن الاتجاه العام الذي تبناه في ربط الغبن بالتغرير؛ فاعتدَّ بالغبن وحده، واعتبره سبباً كافيا لبطلان العقد في ثلاث حالات نصت عليها المادة (107/1) من قانون المعاملات المدنية العماني:

  1. أنه يرد الغبن على مال المحجور، والمحجور هنا جاء مطلقا فيشمل حكمه المحجور علية لذاته كالصبي غير المميز والمجنون ومن كان مميزاً او ما في حكمه كالمعتوه والمحجور عليه لسفهٍ او غفلة.
  2. إذا كان المال الذي حصل فيه الغبن هو مال الدولة.
  3. إذا كان المال الذي حصل فيه الغبن هو مال الوقف؛ لأن هذه الأموال محققة لنفع العام وأنها عرضة لأطماع الطامعين بها والذين قد يجدون من يتواطأ معهم من القائمين عليهم، لذلك قرر القانون البطلان حكماً لأي غبن يلحقها، شريطة أن يكون ذلك الغبن في جميع الصور أعلاه غبناً فاحشاً؛ لأن الغبن اليسير غبن متسامح فيه.

مما تقدَّم يتبيَّن أن المعالجة التشريعية للغبن في قانون المعاملات المدنية العماني غير كافية، ويلزم التدخل التشريعي لتكملة ما فيها من نقص، وذلك للعديد من الأسباب؛ أهمها: وجود حالات لا تتحقق فيها الحماية التشريعية للمتعاقد المغبون، رغم أن إرادته لم تكن سليمة وقت التعاقد، خاصة عندما يتعرَّض للاستغلال من المتعاقد الآخر. إضافة إلى وجود قصور ونقص في النصوص القانونية التي عالجت الموضوع، وبناء عليه توصلنا للعديد من التوصيات التي نناشد بها المشرع العماني؛ تتمثل بإدراج نصوص جديدة وتعديل نصوص المواد التي تنص على التغرير، كما يلي:

  1. تعديل نص المادة (103) من قانون المعاملات المدنية العماني؛ بحيث يشتمل على معالجة وقوع الغبن الفاحش بسبب التغرير أو الاستغلال، بهدف تحقيق الحماية التشريعية الكاملة وتوحيد الحكم لكل الحالات التي تتساوى في عللها، إضافة إلى منح المتعاقد المغبون الخيار بين المطالبة بفسخ العقد أو تنفيذه على النحو الذي قصد إبرامه بما يرفع عنه الفحش في الغبن وفقا لما يحقق مصلحته ولا يلحق به الضرر؛ وذلك خلال مدة معينة تبدأ من تاريخ إبرام العقد، نقترح أن تكون سنة؛ وذلك بهدف تحقيق استقرار المراكز القانونية.
  2. تعديل نص المادة (108) من قانون المعاملات المدنية العماني؛ بحيث لا تعتبر وفاة المتعاقد المغبون المغرَّر به سببا لسقوط الحق في الفسخ، على أساس أن هذا الحق يتعلق بالذمة المالية؛ وبالتالي ينتقل إلى الورثة.
  3. تعديل نص المادة (107/1) من قانون المعاملات المدنية العماني، بحيث يتم توسيع حالة دخول الغبن اليسير بدون تغرير، في حالة إذا أصاب الغبن مال المريض مرض الموت الذي استغرقت ديونه ماله، أو مال المحجور عليه، ويكون العقد هنا قابلا للفسخ من الدائنين والورثة، على أنَّ دعوى الفسخ لا تقبل بعد سنة من تاريخ إبرام العقد من المحجور عليه، أو من تاريخ الوفاة بالنسبة للمريض مرض الموت.