كيف تجعل من يعمل معك صديقا؟

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

قُدِّمت لي دعوة كريمة لإلقاء المحاضرات التربوية والاجتماعية في دولة قطر الشقيقة، وفي إحدى المحاضرات التي قدمتها هناك، كانت بعنوان "حُب الأوطان من الإيمان"، وبعد الانتهاء من تلك المحاضرة، تقدم نحوي شاب قطري أصيل، أعجبت بسمو أخلاقه، وعظيم تواضعه، وجمال منطقه، وسحر بيانه، تلك الصفات الحميدة التي هي ليست بغريبة على الشعب القطري، فهو شعب عُرف بطيبته وخلقه وكرمه وحسن تعامله مع الجميع.

قدَّم لي ذلك الشاب الطيب دعوة كريمة للتعرف على المعالم القطرية وزيارتها برفقته، ومن باب ما ورد في الحكم والأمثال: "لَا يَرُدُّ  اَلْكَرِيمَ إِلاَّ اَللَّئِيم"، وبما أني من عشاق زيارة معالم البلدان وحضاراتها وتضاريسها قبلت الدعوة الكريمة.

أخذني ذلك الشاب إلى معالم دولة قطر الجميلة، التي أُبْهِرت بجمال بحرها، وعظيم عماراتها المتناسقة، ومتاحفها وأسواقها التراثية الجميلة، التي جمعت بين الأصالة والحداثة، والتي تأخذك إلى عالم الجمال والابداع والتألق والتميز،  وفي نهاية رحلتنا الرائعة، أدخلني إلى محل تجاري كبير متخصص ببيع الهواتف النقالة الحديثة، وهو يقول لي أريد شراء هاتف مميز لأحد أصدقائي الكرام، ولثقتي الكبيرة بك أريدك أن تختار الهاتف المميز لأشتريه لصديقي فما هو رأيك؟ قلت له: اعذرني فلستُ من أهل الخبرة الكافية في معرفة الهواتف النقالة، أصرَّ عليَّ بأن أختار الهاتف، وأنَّه لن يخرج من المحل حتى أختار لصديقه الهاتف المميز.

تذكرتُ عندها أحد الأصدقاء في السلطنة وهو يسرد لي مواصفات أحد الهواتف الذكية المميزة، فقلت له: "أرى أن تشتري لصاحبك الهاتف الفلاني؛ لأني سمعت عن جودته العالية ومميزاته المتطورة"، فهمَّ مباشرة بشراء الهاتف وطلب من المحل تغليفه ولفه بباقة جميلة من الورد والروائح الزكية، ثم أخذ الهدية وعاد بي إلى محل إقامتي الذي أقيم فيه، وهو يقول لي: "هل تعرف من هو صديقي الذي اشتريت له هذه الهدية المتواضعة؟".. قلت: "لا أعرفه"، قال: "صديقي هو أنت، وهذه الباقة بما فيها من هاتف مميز وورد جميل وروائح زكية هي لك، فأنت طالب علم وتستحق أكثر من ذلك، أرجو أن تتقبلها مني كهدية متواضعة تكريما وتشجيعا لجهودك الطيبة لما قدمته لنا من محاضرات قيمة".

كانت هدية لطيفة مصحوبة بالكلمة الطيبة المشجعة والمحفزة، التي كان لها الأثر البالغ على نفسي ووجداني، بل كانت حافزاً قويا لتقديم أفضل المحاضرات وأجملها وأحلاها.

لذا؛ من خلال هذا المقال أريد التركيز على أهمية التحفيز والتشجيع والكلمة الطيبة لإثراء مواقع العمل بالإنجازات والنجاحات المستمرة.

أيُّها المسؤول، هل فكرت يوما كيف تشجع موظفيك على العمل بإخلاص وإتقان؟ هل فكرت يوماً كيف تتعامل مع الموظفين لكي تتمكن من رفع مستوى الأداء في مواقع العمل؟ هل فكرت يوما كيف تكون قادرا على تحقيق النجاح المنشود من خلال العاملين الذين هم تحت إدارتك؟

من الطبيعي جدًّا أن المسؤولين بحاجة إلى الحزم والمتابعة والتدقيق، وهذا في حد ذاته واجب مهني لتحقيق النجاح المنشود، ولكن على المسؤولين أن يعلموا أن العاملين تحت إداراتهم من المجيدين والمتفوقين هم بحاجة ماسة إلى ما هو أفضل مما ذكر أعلاه؛ فهم بحاجة إلى التحفيز والتشجيع والكلمة الطيبة والهدية المتواضعة، فالتشجيع والتحفيز والكلمة الطيبة المصحوبة بهدية متواضعة دائما ما تفتح للعاملين الطريق الأنسب للتفوق والتألق في مجال عملهم، بل وتجعلهم يسعون دائما لتقديم الأفضل والأجود في مواقع العمل.

فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه مد يوما يده مُسلِّما على أحدهم، فلمس في يده خشونة، فسأله عن سببها فأخبره أنها من أثر العمل، فقبلها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال: "هَذِهِ يَدٌ يُحِبُّهَا اَللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا تَمَسُّهَا النَّارُ".

هكذا كان نبي الرحمة يشجِّع ويحفز ويدعم العاملين بالكلمة الطيبة والأخلاق الرفيعة، ورُوِي أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفق الكثير من المال لتشجيع العاملين المجيدين، ومن أجل تحقيق الكثير من الإنجازات والنجاحات في مواقع العمل ينبغي على المسؤولين الالتفات إلى نقاط رئيسية لتشجيع ودعم العاملين في ادارتهم، أذكر منها الآتي:

* تشجيع الموظفين على العمل بروح الفريق الواحد، فتلك ثقافة مهمة لتسريع عملية النجاح والازدهار في قطاعات العمل المختلفة.

* تحديد الأهداف الواضحة للعمل وربطها بكل الموظفين وتشجيعهم على ضرورة تحقيقها.

* المسؤول عليه أن يمنح موظفيه شيئاً من الحرية في اتخاذ القرارات حتى يشعرهم بأهميتهم عنده، ومكانتهم الخاصة في مواقع العمل، وإن الكل يعمل كمسؤول يعتمد عليه في نجاح العمل وازدهاره وتقدمه.

* على المسؤول احترام وتقدير الموظفين مهما كانت وظائفهم ومستوياتهم، وعدم توبيخهم والتواضع لهم، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "اِحْترم تُحْتَرم"؛ فالاحترام هو أساس نجاح وتقدم الأمم وازدهارها.

* التركيز على مكافأة المجيدين الأوفياء المخلصين لعملهم ووظائفهم وتشجيعهم لتقديم الأفضل.

سُئِل نابليون في يوم من الأيام: كيف استطعت أن تفجر وتحفز طاقات جنودك؟ وكيف زرعت الثقة في نفوسهم؟ قال: كنت أرد ثلاثا على ثلاث، الذي يقول لي: لا أقدر، أقول له: حاول، ومن يقل: لا أعرف، أقل له: تعلم، ومن يقل: مستحيل، أقل له: جرب.

هكذا هو دور المسؤول الناجح الذي يجب أن يكون مشجعا ومحفزا مع من هم حوله من الموظفين؛ بحيث لا يَسمح بوجود الإحباط والفشل والكسل والضجر أثناء العمل.