الغلط في فهم القانون من أسباب فسخ العقد

د. مصطفى راتب *

يُقصد به ذلك الغلط الذي يحدث للمتعاقد نتيجة جهله بحكم القانون في مسألة من مسائل العقد؛ سواء بتوهمه وجود هذا الحكم رغم عدم وجوده، أو بحمله للحكم على دلالة مغايرة لدلالته الحقيقية. كمن ينفق على زوجته بعد أن خلعتْ نفسها منه، متوهما وجود نص قانوني يلزمه بالإنفاق عليها رغم الخلع، في حين أنَّ القانون لا يلزم الرجل بالإنفاق على زوجته رغم الخلع، أو أنْ تبيع زوجة نصيبها في ميراث زوجها على أنه الثمن من هذه التركة، جاهلة بأن لها ربعَ التركة لعدم وجود الفرع الوارث للزوج سواء منها أو من زوجة أخرى.

والغلط في القانون قد يحدُث كثيرا للأفراد في كثير من تصرفاتهم القانونية؛ نظرا لأن العلم الحقيقي بنصوص القانون وأحكامه، فضلا عن أنَّ الفهم الدقيق لدلالات هذه النصوص أمر لا يتحقق إلا للنذر اليسير منهم، مما يتصور معه تعرض بعض المتعاملين للوقوع في الغلط في القانون بشأن تصرفاتهم القانونية.

ومن أجل ذلك، فقد رخص القانون في طلب فسخ العقد للغلط في القانون؛ إذ تنص المادة 112 من قانون المعاملات المدنية العماني على أنه: "للمتعاقد فسخ العقد إذا وقع منه غلط في القانون وتوافرت شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين 109 و111 من هذا القانون ما لم ينص القانون على غير ذلك".

ويُستفاد من المادة سالفة الذكر أنَّ الغلط في القانون مثل الغلط في الواقع متى كان غلط الواقع جوهريا يبلغ حدا من الجسامة؛ بحيث لولا وقوع المتعاقد فيه ما أقدم على إبرام العقد، فإنه يكون معيبا لرضا المتعاقد على نحو يرخص له المطالبة بفسخ العقد، ويستوي بعد ذلك أن ينصب الغلط في القانون على شخص المتعاقد أو صفة من صفاته أو على صفة جوهرية في الشيء محل العقد أو على الباعث إلى التعاقد أو على القيمة.

ولعل من أمثلة الغلط في القانون -الذي ينصب على شخصية المتعاقد- أنْ يهب الرجل مطلقته بعض أمواله، متوهما أنها لا تزال في عصمته، ثم يتبيَّن أنها لم تعد زوجة له بانقضاء عدتها أو صيرورة الطلاق بائنا.

ومن أمثلة الغلط في القانون الذي ينصبُّ على صفة جوهرية بالشيء محل التعاقد، أن يتعهد شخص بالوفاء بالتزام طبيعي متوهما أنه التزام مدني، ومن أمثلة الغلط في القانون الذي يقع على الباعث أن يقوم الورثة بإعطاء الموهوب له ما وهبه إليه مورِّثهم قبل موته، معتقدين صحة الهبة رغم عدم استيفائها لعنصر الرسمية، في حين أنَّ القانون يجعل عقد الهبة المفتقر إلى عنصر الرسمية عقدا باطلا بطلانا مطلقا.

ومثال الغلط في القانون الذي يقع على القيمة أنْ يبيع زوج نصيبه في تركة زوجته على أساس أن القانون (قانون الميراث) يجعل له في ميراثها الربع، ثم يتضح له وقوعه في غلط في القانون في تقديره لقيمة ميراثه؛ إذ يتضح أنَّه النصف لعدم وجود فرع وارث للزوجة.

ومما تجدر ملاحظته أنَّ الغلط في القانون يختلف عن الاعتذار بجهل القانون؛ ففي الغلط في القانون يتوهم الواقع في الغلط وجود حكم معين في القانون أو عدم وجود حكم معين، ويتصرف على هذا الأساس؛ بحيث لو علم بالحكم الصحيح في القانون لما رضِي بإتمام هذا التصرف الذي صدر منه، في حين أن الجهل بالقانون يعني عدم العلم بصدور القانون أو عدم العلم بأحكامه.

صحيح أنَّ الغلط في القانون ينطوي على جهل بالحكم الصحيح للقانون، إلا أنَّ المتعاقد الواقع في الغلط يتوهم عند تصرفه بوجود نص قانوني على خلاف الحقيقة أو يتصور علمه بالدلالة الصحيحة لحكم القانون على خلاف الحقيقة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الغلط في المتعاقد الذي يدعي القانون إنما يريد بادعائه تطبيق الحكم الصادر للقانون وليس إعفاءه من هذا الحكم، بعكس من يدعي الجهل بالقانون فهو يريد التخلص كلية من الخضوع لحكم القانون، تحت زعم عدم العلم به وهذا ما لا يجوز، إذ لا يقبل من أحد كقاعدة عامة "الاعتذار بجهل القانون لاستبعاد تطبيقه عليه".

ولا يكفي لإبطال العقد للغلط أن يكون الغلط الذي وقع فيه غلطا جوهريا على النحو السابق ذكره، ولكن يلزم إلى جانب ذلك أن يتصل هذا الغلط الذي وقع فيه هذا المتعاقد بعلم المتعاقد الآخر، وذلك حتى لا يفاجأ المتعاقد الآخر بإبطال العقد لأمور نفسية لدى المتعاقد معه لا يعلمها ولا سبيل له للعلم بها مما يهدد استقرار المعاملات ويؤدي إلى ضياع الثقة في إبرامها، ذلك أن الاكتفاء يكون الغلط الذي يصيب رضاء المتعاقد غلطا جوهريا فقط سيشجع كل متعاقد لا يروق له عقده الذي أبرمه على الادعاء أمام القضاء بوقوعه في غلط جوهري ليتحلل من التزامات العقد ويتخلص من تبعاته؛ مما يشكل ظلما كبيرا لمن تعاقد معه، لذلك كان لزاما -رغبة في تحقيق الاستقرار للعقود بعد إبرامها، فضلا عند دفع مظاهر الظلم عمن تعاقد مع من وقع في الغلط- أن يشترط لإجابة من وقع في غلط جوهري إلى طلبه بإيطال العقد أن يطالب بإثبات اتصال هذا الغلط بعلم المتعاقد الآخر.

* أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية