التربح.. أحد أوجه الانحراف الوظيفي

أحمد بن سليمان العبري

 

حرص المشرع على إسباغ الحماية القانونية على الأموال العامة، ولذلك نصَّ النظام الأساسي للدولة "للأموال العامة حرمتها، وعلى الدولة حمايتها، وعلى المواطنين والمقيمين المحافظة عليها"، وأُحيطت الأموال العامة بالحماية الجزائية وهي من أهم أنواع الحماية المقررة للمال العام، وذلك بموجب أحكام قانون الجزاء العُماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7/2018، وقانون حماية المال العام وتجنب تضارب المصالح الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 112/2011.

ومما جرمه المشرع التَّربح من الوظيفة العامة، حيث عاقب قانون الجزاء كل موظف عام حصل أو حاول أن يحصل لنفسه أو لغيره على ربح أو منفعة بدون وجه حق من وظيفته أو بناءً على معلومات وصلت إليه بحكمها، كما ينص قانون حماية المال العام وتجنب تضارب المصالح على أنَّه :" يحظر على أي مسؤول حكومي استغلال منصبه أو عمله لتحقيق منفعة له أو لغيره أو استغلال نفوذه ليسهل لغيره الحصول على منفعة أو مُعاملة متميزة....."، والمنفعة هي المقابل الذي يحصل عليه المسؤول الحكومي، أياً كانت صورته، وسواء كان بصفة مباشرة أو غير مُباشرة.

وتعد جريمة التربح إحدى أوجه الانحراف بالسلطة أو كما يسميه البعض إساءة استغلال السلطة، فيجب على الموظف ممارسة عمله وفق الضوابط القانونية المحددة له، حيث تم منحه تلك الصلاحيات ليتسنى له القيام بواجباته بما يخدم المصلحة العامة، وأي انحراف في استعمالها يعد جريمة.

ولا يشترط لقيام جريمة التربح الحصول فعلاً على الربح أو المنفعة، بل يكفي مجرد الانحراف بالسلطة والقيام بالأفعال التي تؤدي إلى الربح ولو لم يتحقق ذلك؛ كون أن جريمة التربح من جرائم الخطر التي تهدد نزاهة الوظيفة العامة.

وقد أراد المشرع حماية سير العمل والأداء للوحدات العامة، بحيث يكون الباعث على الأداء هو الصالح العام، فهناك تعارض بين المصلحة الخاصة التي قد يستهدفها الموظف لنفسه أو لغيره، وبين المصلحة العامة المكلف بتحقيقها في نزاهة وتجرد غير مبتغ لنفسه أو لغيره ربحاً أو منفعة، والهدف من ذلك حماية شؤون الوحدة وأهدافها مما قد ينالها من ضرر جراء أفعال ذلك الموظف، والتي تعتبر من أسوأ صور الاعتداء على المال العام.

وجريمة التربح تشمل جميع أوجه تحقيق ربح خاص من خلال الوظيفة، ومن ذلك قيام الموظف بدور الوسيط أو الوكيل أو الكفيل لأي شركة أو مؤسسة يتصل نشاطها بجهة عمله، ويعتبر من أعمال الوساطة المحظورة قيامه بمساعدة غيره بقصد تسهيل حصول شركة أو مؤسسة على موافقة الحكومة، ومن صورها كذلك استعمال الأموال العامة في أغراض شخصية أو في غير الأغراض المخصصة لها.

وقد يعتقد البعض أن المسؤول المشار إليه هو صاحب الوظيفة الهيكلية، إلا أن المقصود به كما أراد المشرع أنه كل شخص يشغل منصباً حكومياً أو يتولى عملاً بصفة دائمة أو مؤقتة في الجهاز الإداري للدولة، وقد قضى القانون على اعتبار أعضاء مجلس عُمان، وممثلي الحكومة في الشركات الحكومية، والعاملين بالشركات المملوكة للحكومة بالكامل أو تلك التي تساهم فيها بنسبة تزيد على 40% من رأسمالها.

ويجب الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية أولت اهتماماً بحماية المال العام بشكل عام ومنع التربح بشكل خاص، ولعل ذلك السبب في ما كانت تشهده من تقدم وازدهار، فيمكن استخلاص ذلك من خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال فيها:"....فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أٌهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته..."، ومما قاله عمر بن الخطاب في الحفاظ على المال العام :"..... ألا وإني وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق ويُعطى في حق، ويمنع من باطل، ألا وإنما أنا في مالكم كوالي اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف".

إنَّ هذه الجريمة وغيرها من أشكال استغلال السلطة تؤثر في كفاءة أداء الجهات الحكومية وتنفيذ خططها وتؤدي إلى هدر الأموال العامة؛ كونها لا تتجه للمصلحة العامة وإنما في المسارات التي ينتفع منها صاحب السلطة الفاسد، ويجب على الجميع مكافحتها وغيرها من أوجه الفساد، والقانون كفيل بمحاسبتهم.