الحكومة الرشيقة

أحمد بن سليمان العبري

استبشرَ الجميعُ بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، والذي جاءَ بإلغاء بعض الوزارات والجهات ودمج القطاعات في وزارات جديدة، ولكي تُؤتي هذه النقلة الاستثنائية ثمارَها يجبُ الوقوف على بعض التحديات التي حدَّت من فاعلية الجهاز الإداري؛ فلا يمكن حصر "رشاقة الحكومة" في تقليص عدد الوزارات، وأن كانت خطوة مهمة ورئيسية؛ فالحكومة الرشيقة هي التي تخفِّف الإجراءات وتنجز الأعمال بخطوات أقل وتتبنى اللامركزية من خلال توزيع صلاحيات كاملة على ممثلي الوزارات في المحافظات؛ فدمج الوزارات دون تبسيط الإجراءات قد يؤدي لخلق كيان بيروقراطي عملاق.

فإنَّ تقليص عدد الوزارات لن يُعالج طلبات المواطنين العالقة منذ عشرين عاماً في أروقة وزارة الإسكان على سبيل المثال، ولن يُخفِّف عبءَ أكوام البريد الرسمي الوارد إلى مكتب الوزير للاعتماد، كما أنَّ ذلك لن يُنهي المشهد المخزي بانتظار المواطنين الوزير عند موقف سيارته، لعلَّهم يحظون بفرصة لعرض طلباتهم لتنال القبول.. القبول الذي يفترض أن يحصل عليه بشكل تلقائي من خلال شاشة هاتفه، أو في أسوأ الأحوال لدى الموظف المختص في مُحافظته.

فالمركزيَّة الحاصلة في حَصْر صلاحيَّات القرار وتجميعها في يد سلطة واحدة رئيسية؛ سواء كانت فرداً أو عدداً من المسؤولين الذين ينفردون بالبتِّ في جميع القرارات بتلك الوزارة دون مشاركة المستويات الآخرى هي سبب رئيسي في بُطء وتيرة العمل. وفي المقابل، لا يُوجد سبب وجيه لانتهاج هذا الأسلوب، كما كان الاعتقاد أنَّ استخدام هذه الطريقة يساعد على المراقبة والسيطرة، والتأكد من صحة القرار وحصر المسؤولية؛ لذلك ما يُبرِّره لعدم نضوج تجربة الإدارة في حينه، أما الآن وقد بانت مساوؤه؛ ومنها: بُطء اتخاذ القرارات والمخاطرة في إصدارها لاحتكارها في فرد واحد، إضافة لانعدام الابتكار وطرح الأفكار وقتل العمل بالروتين، وإيجاد مسارات بديلة للحصول على قرارات غير قانونية.

لذلك؛ يلزم النظر إلى تقليل المركزية للتخلص من التثاقل الذي طال أغلب الجهاز الإداري؛ بهدف تسريع وتيرة العمل الحكومي ورفع نسب الإنجاز؛ وذلك من خلال توزيع الصلاحيات والمهام على ممثلي رئيس الوحدة بالقدر الملائم وليس المطلق، ليتفرَّغ المسؤولون الأوائل لوضع الإطار العام والمنهجية لعمل الوحدة الإدارية والتطوير المستمر.

ولعلَّ وزارة الداخلية هي التجربة المنتظرة في اللامركزية الحقيقية؛ حيث إنَّ نظام المحافظات والشؤون البلدية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/2020 منح المحافظين الصلاحية شبه الكاملة في إدارة الشؤون البلدية، والذي نأمل أن تعقبه خطوات مماثلة في باقي الوزارت.

ومن الظواهر التي يجب الوقوف عليها كذلك هي الغلو في الإجراءات، أو كما تسمى بالبيروقراطية، وإن كان لا مفر من البيروقراطية كونها تشير إلى وجود نظام إداري يحوي عمليات متعددة الطبقات تتسم بوجود تسلسل هرمي دقيق للسلطة، وتقسيم صارم للحفاظ على النظام والضوابط داخل الوحدة، إلا أنها تنتقد كونها تجعل اتخاذ القرار بطيئًا، ومن خلال الواقع العملي نجد أنَّ بعض الوزارات انغمستْ في البيروقراطية المقيتة، فيُمكنك أن تتصوَّر أن بعض الطلبات قد تحتاج إلى المرور على أكثر من 20 موظفًا، وهي في حقيقتها يمكن أن تُنجز في ثلاث خطوات.

كما يُمكن أعتبار هذه الإجراءات إحدى عقبات التحول الإلكتروني؛ ففي الوزارات التي تتبنَّى كثرة الإجراءات المتشابكة تكون الأنظمة الإلكترونية مجرد وسيلة مراسلات، ففي اعتقادهم أن هذه الأنظمة تهدف لتقليل أستخدام الورق. وفي الجانب المقابل، المواطن يتوقَّع أنه سوف يتمكن إنجاز معاملته عن طريق الهاتف أو عن طريق وسيط -مثل: مكاتب سند- خلال نصف ساعة، وقد نجحت بعض الوزارات التي أدركت معنى الرقمية مبكراً في ذلك؛ مثل: وزارة العمل؛ بشأن طلب المأذونيات.

آملين معه أن تجدد الوزارات أساليب العمل بما يتناسب مع المرحلة الحالية، معتمدة على الرقابة الذاتية للفرد والمراقبة اللاحقة على الإجراءات المتخذة، إضافة لإيجاد نظام قوي يضمن قلة حالات التجاوزات، وإن كانت التحديات كبيرة، إلا أن تخطيها يتم من خلال مواجهتها والبحث عن الحلول بالاستفادة من التجارب التي نجحت في تسهيل الإجراءات وتوزيع المسؤوليات والمهام.