التعليم عن بعد.. تطوير لا ضرورة مؤقتة

 

 

أحمد بن سليمان العبري

 

إنَّ الحرص على استمرار عملية التعليم بأي وسيلة مُتاحة يهدف إلى الحفاظ على التكوين الثقافي والمعرفي للمجتمع، لأن توقف التعليم لفترة طويلة قد يخلق فجوة في العملية التعليمية وربط الطالب بين ما تعلمه وما سيتعلمه.

ففي بداية جائحة كوفيد19 وعند إيقاف الدراسة حدث خلل متفاوت في منظومة التعليم، فبعض المدارس استطاعت أن تُواصل الدراسة باجتهاد خاص وبالإمكانيات المُتاحة، في مُحاولة لنقل المعرفة والعلم إلى الطالب مع إلقاء جزء من المسؤولية على الأسرة والمنزل، وكذلك على مستوى التعليم الجامعي فبعض المُؤسسات أنهت الفصل بمتطلبات شكلية، ومنها ما أستطاعت أن تُشكل استثناء من خلال مواصلة الدراسة بشكل منتظم مع إجراء الاختبارات بالمستوى الملائم الذي يُحقق المتطلبات الرسمية والتعليمية باستخدام وسائل التقنية الحديثة.

وقد أصبح "التعليم عن بُعد" نتيجة حتمية مع ظهور الحاجة للتعايش مع فايروس كوفيد19، لنتخلى عن التعليم التقليدي بشكل مُؤقت، ومع إيمان الجميع بأنَّ "التعليم عن بعد" هو الأسهل للطلبة ويُسهم في معالجة مشكلة نقص الكادر التدريسي وعدم استيعاب مباني المدارس لأعداد الطلبة المُتزايدة، إلا أنه يلقى مقاومة من المجتمع للمشكلات التي تواجهه منذ بداية تطبيقه.

ورغم أنَّ التعليم عن بعد له العديد من المزايا، إلا أنه يواجه مجموعة من التحديات نتيجة لمُفاجأة اتباع هذا النمط ومنها عدم توفر الإمكانيات اللازمة، ومن ذلك عدم توفر الحواسيب الكافية لدى بعض الأسر، وعدم توفر اتصال جيد بالإنترنت في بعض القرى وهذا ما يهدد بحرمان جزء من الطلبة من التعليم، علاوة على أن الطاقم التدريسي لم يتم تأهيله –سلفاً - لمباشرة التدريس من خلال البرامج الإلكترونية المعدة لذلك، وفي الواقع لا يمكن حرمان الغالبية العظمى من التعليم بسبب ضعف الشبكة في بعض القرى، والأولى من إيقاف التعليم إيجاد أسلوب تعليم غير مُتزامن ومن ذلك تسجيل الدروس المُباشرة ونقلها لهم كحل بديل، وقد منحت الحكومة المؤسسات التعليمية الصلاحية في تقييم مدى فعالية سير العملية التعليمية واتخاذ ما يلزم نحو تذليل الصعوبات التي تُواجهها حتى باللجوء إلى التعليم المُباشر –إن استدعى الأمر- بشكل جزئي.

ومن وجهة نظري لا يُمكن النظر إلى "التعليم عن بُعد" كمرحلة مؤقتة لتجاوز جائحة كوفيد19، بل يجب دراسة إمكانية تطبيقه بشكل مُستمر ولو بشكل جزئي، وإن كان هناك تحديات تتعلق ببعض المراحل الدراسية أو التخصصات الأكاديمية أو المواقع الجغرافية، فلا أقل من تفعيله بشكل جزئي أو كبرنامج تقوية وتأهيل، وتلك الاستمرارية تمهد للانتقال التدريجي إلى "التعليم عن بُعد" الذي لا محال سيتم تطبيقه في المُستقبل؛ لكي لا يُواجه مصير البوابة التعليمية التي لا تزال غير مفعل لدى بعض المدارس بسبب ضعف الشبكة بعد أكثر من اثني عشر عاماً من تدشينها، وليس بخافٍ أن توفير التعليم خارج القاعة الصفية باستخدام الوسائل التقنية الحديثة كان أحد أهداف البوابة التعليمية.

وكما يقول الراحل أحمد الربعي "يجب قبل مُقاومة التغيير تهيئة ما يستبدل به هذا التغيير"، فرفض فكرة التعليم عن بُعد يجب معه إيجاد البديل، ولا يتبقى سوى إيقاف العملية التعليمية بشكل نهائي، ومن الأفضل تقبل الفكرة وتذليل الصعوبات بالقدر المُمكن للحصول على جزء ولو يسير من العلم في هذا العام، وإن كان التغيير ضرورياً بسبب الجائحة فإنَّ التطور اختياري وهو ما يجب الاستعداد له بعد انتهاء الجائحة.

وفق الله مربي الأجيال الذين يتحملون في هذا العام أعباءً إضافية ليتمكنوا من تأدية رسالتهم الخالدة، وأعان أولياء الأمور، ويسّر على الطلبة، ونسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يُزيح هذه الجائحة وآثارها عن البشرية كافة.