جيهان رافع

لنرفع القبعات تحيَّة للإذاعة التي كان لها الدور الكبير في استنهاض حماس الجماهير أثناء الحروب وأثناء ثوراتهم لبث روح الوفاء للوطن في كل مواطن وطني حُر وفي استنهاض عواطفهم ومشاعرهم أثناء الأزمات كي يبقوا على خط التكاتف الأول والدفاع الجميل عمّا أرادوا لبناء مستقبلٍ أفضل خالٍ من احتلال الأرض والفكر.

يُصادف من كل عامٍ في الثالث عشر من فبراير، اليوم العالمي للإذاعة، فما نستطيع الكتابة وما نريد القول لا يكفي الوفاء لها، فهي كانت ومازالت على البال في كل التفاصيل تملأ ذاكرتنا بأجمل الأصوات وتبقى الناقل الجميل، على الرغم من بشاعة الأخبار في بعض الأحيان، لطالما أخذتنا إلى أحلامٍ شاسعة الحب، مضيئة المدى، زاهية الأمل، وكم سقت عروقًا جفّت؟ وكم كانت دفءً في عزّ برد الأوقات؟.

قال بشار بن برد: "يا قومُ أُذْني لبعضِ الحيّ عاشقةٌ... والأذن تعشق قبل العين أحيانًا... قالوا بمن لا تَرى تَهذي فقُلتُ لهم... الأذن كالعين تُؤتي القَلبَ ما كانا".

 حيث صارت تلك الأبيات للناس كالمثل تتداوله في وقته وحكاية العشق للصوت في الإذاعة بدأت منذ بدايتها.

كتبت فاطمة اللواتي في كتابها الذي قدمته كرسالة الماجستير لها تحت عنوان "هنا عُمان" عن سيرة الإذاعة في عُمان قبل عام 1979 حيث ذكرت أن للوثائق البريطانية ملاحظات آنذاك على وجوب إيجاد إعلام وإذاعة في السلطنة، وبعدها تم التخطيط لإذاعة مسقط لكنها لم ترَ النور حينها وذلك في عهد السلطان سعيد بن تيمور، وأن إذاعة الحصن في صلالة كان قد تم بثها في نهاية عام 1959.

ثم ذكرت المراسلات بين بريطانيا والسلطنة على التوجه لبث إذاعي من مسقط على قرابة 200 ميل والبداية ببث ساعة مساءً وقابل للزيادة، واقترحت BBC الإذاعة البريطانية حينها وجوب استقدام مدير للإذاعة من إحدى الدول العربية، وقدمت اقتراحات لبرامج البث.

والصوت النسائي زيّن الإذاعة بعد بثها بشهرين تقريبًا بينما مرّ تسع أعوام على المرأة الكويتية حتى استطاعت الدخول في هذا العالم الجميل ومرّ على المرأة السعودية أكثر من ثلاثة عشر عامًا، فكانت المرأة العُمانية الأولى في تصدُر قائمة المُذيعات على مستوى الخليج العربي تقريبًا حينذاك.

أما بالنسبة لأوَّل بث إذاعي على مستوى العالم فقد كان مصادفة حين اجتمع بعض المهندسين عام 1916 في شركة تصنيع في بيتسبرغ بأمريكا يجرون تجارب على إرسال صوتي لموسيقى مُعينة صادرة عن أسطوانات الحاكي، وعندما تلقوا طلبات من أناس كانوا يستخدمون معدات استقبال منزلية الصنع لبث المزيد منها، ثم بدأ البث بشكل منتظم تحت اسم "kdka" وبقيت الإذاعة الوحيدة على مستوى العالم لسنوات عديدة. ثم في عام 1920 بدأ البث من كندا ثم في ملبورن بأستراليا في عام 1921 ثم إذاعة BBC في إنجلترا عام 1922، وفي عام 1923 بدأت أول إذاعة في الاتحاد السوفييتي آنذاك وتتالت الإذاعات في جميع بلدان العالم. يقول الدكتور مصطفى محمود: "هذا الوَشّ الذي أسمعه حينما أحرك مُؤشر الراديو، قد لا يكون وشّاً، قد يكون لغة أخرى لا أعرف شفرتها".