مشكلة إنكار النسب

د. مصطفى راتب *

* أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

ينقسم الطلاق إلى طلاق سني وطلاق بدعي.. والطلاق السني: هو أن يطلِّق الزوج زوجته طلقة واحدة رجعية في طهر لم يجامعها فيه. ثم يتركها حتى تنقضي عدتها. والحكمة في إيقاع الطلاق في هذا الوقت أنه الوقت الذي تكون نفس الزوج راغبة في امرأته، فإذا طلق في هذه الحال كان الطلاق دليلا على استحكام الخلاف بينهما.

والأصل في إيقاع الطلاق على هذا الوجه: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن ذلك فقال: "مُره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"، وفي رواية لمسلم: "مُره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا". وطلاق البدعة: هو ما خالف فيه المطلق الطريقة التي أمر الله تعالى ورسوله باتباعها في إيقاع الطلاق، وذلك بأن يطلق الزوج زوجته أكثر من طلقة واحدة بكلمة واحدة، أو يطلقها في الحيض، أو في طهر جامعها فيه. وقد اختلف الفقهاء في وقوع طلاق البدعة. فذهب جمهورهم إلى أن طلاق البدعة صحيح وواقع، إلا أنَّ مُوقِعه يأثم لأنه خالف السنة في التطليق. وسندهم في ذلك حديث ابن عمر السابق؛ فقد ورد فيه: "مُره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا"، ووجه الدلالة: أن قوله "مُره فليراجعها" دليلٌ على وقوع الطلاق؛ لأنَّ الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق. وأصرح من هذا ما أخرجه الدارقُطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "هي واحدة". وفي رواية أخرى للبخاري: "وحسبت تطليقة". وقالوا: إن طلاق البدعة مع كونه محرما، إلا أنه يترتب عليه أثره كالظهار، فإنه منكر من القول وزورا وهو محرم بلا خلاف، إلا أن أثره يترتب عليه وهو تحريم الزوجة إلى أن يكفر، فكذلك طلاق البدعة محرم ويترتب عليه أثره إلى أن يراجع.

وأخيرا.. يجب التنويه على الزوجة المعتدة أنْ تقضي العدّة في بيت الزوجية، سواءً كانت عدّتها من طلاق رجعي أو بائن أو عدة وفاة، لقول الله تعالى: "لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا".

ومن الحكمة في إسكانها بيت الزوجية: تسهيل ارتجاع الزوج لها إذا رغب، إذا استجابت المطلقة لأمر الله عز وجل، وهو القرار في منزل الزوج مدة العدة، لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، فيكون ذلك أيسر وأسهل. وأيضا الحكمة من مشروعيّة العِدَّة التأكد من خلو رحم المرأة من الحمل حتى لا يحدث اختلاط في الأنساب في حال زواجها من آخر، كما فيها تعظيمٌ لعقد النِّكاح وأنّ له حرمة، والحفاظ على حقِّ الجنين في حال إذا كانت المرأة حاملًا وقت طلاقها. وتستقبل محاكم الأسرة يوميا العشرات من القضايا، ومن بين هذه القضايا هي دعوى إنكار النسب التي نسمع عنها دائما.

فإقرار المطلقة في فترة العدة في بيت الزوجية يمنع من الطعن بإنكار النسب لتأكد الزوج خلال هذه الفترة من حمل زوجته منه، وعدم الطعن من أهل الزوج في حال وفاته بإنكار النسب، وهذا كله استجابة لأمر الله عز وجل، وهو القرار في بيت الزوجية؛ سواء كانت مطلقة أو أرملة.

لذلك؛ نُناشد المشرِّع العُماني بالتدخل بإصدار نص يجعل ترك المطلقة المعتدة بيت الزوجية أثناء فترة العدة في حكم الناشز التي ليس لها نفقة، فإذا تركت المطلقة أثناء العدة منزلَ الزوج دون مسوغ شرعي؛ فهنا تسقط نفقتها باعتبارها ناشزا؛ لمخالفة أمر الله عز وجل بعدم ترك بيت الزوجية أثناء العدة.