كيف نجعل من السياحة صناعة؟!

سمير الهنائي

abunamir.mms@gmail.com

بعيداً عن الدراسات الأكاديمية وغيرها جميعنا ندرك أن عصب السياحة يعد شرياناً للدخل القومي للدول وقامت عليها دول كبرى وأصبحت هذه الدول اليوم تتنافس في أعداد اجتذاب السائحين لها كلا وفق خططه التي ترسمها الجهات المسؤولة عن هذا القطاع، ولنتحدث بصراحة وشفافية بأنَّ هناك من يعيق أو ما يعيق الاستثمار السياحي في السلطنة وصناعتها بشكل عام.

هذه حقيقة لا يجوز أن ننكرها وعلينا أن نفكر جيدًا في "صناعة" مستقبل السياحة داخل السلطنة، فعلى سبيل الذكر لا يُعقل أعلى قمة على مستوى منطقة الخليج يبلغ ارتفاعها أكثر من 3000 متر من مستوى سطح البحر تفتقر إلى أبسط الخدمات السياحية (دورات مياه- بناء إطلالات تلسكوبية- محطات ترفيهية رياضية للمشي.. إلخ)، فإذا كانت الوزارة تروج للسياحة عالميا فعليها أن تدرك أنَّ السائح عندما يأتي إلينا يحتاج للخدمات أولاً، أي شوارع آمنة مسفلتة، وخدمات عامة ومطاعم عمانية، وفنادق وحدائق وإلخ.

أما الترويج والإعلانات التي يدفع لها الملايين من الريالات فهي لن تخدم السياحة طالما أن البلد تفتقد للعديد من الخدمات التي يحتاجها الزائر، فليس من المعقول يروج للسياحة داخل مكان ما دون أن يكون لدينا مرافق عامة توفر كل الخدمات التي يتطلبها السائح، وعلى سبيل المثال ماذا قدمت السياحة لمشروع سد وادي ضيقة؟ أليس من المؤسف أن يتم تشغيل وتهيئة هذا المشروع بهذه الطريقة البدائية؟ كذلك متنزه فنس؟! هل يعقل أن يهمل هذا المكان هكذا، نحن لدينا كوادر كبيرة وذات خبرة في هذا الوطن وبذلك السياحة في عُمان معطله للمستثمر المحلي وأيضاً في القوانين التي تعيق المستثمر الأجنبي للقدوم.

هذا ما يجعل الأمر مترديا على هذا النحو من الخمول وعرقلة الاستثمار بين مختلف القطاعات والمستثمرين مع التشريعات الحالية التي عرقلت هذا القطاع، فإذا طالعنا الوضع في محافظة ظفار والتي تشهد أفضل موسم كفيلة لنصنع منها نموذجا عالميا بأفكار عالمية فهي بحد ذاتها كماليزيا شرق آسيا أو سويسرا أوروبا في غضون ما يقارب ثلاثة أشهر من خلالها نستطيع أن نحصد الملايين من الزوار سنويًا .

ماذا ينقصنا في عُمان لنحذو حذو الدول السياحية التي ازدهرت خلال العشر سنوات الماضية؟!

آن الأوان يا مسؤولينا لتعديل قوانين الاستثمار السياحي ولفتح المجال للجميع وفق ضوابط ميسرة وليست شروطا معقدة تجعل المستثمر ينفر إلى دول أخرى، إذا كنت تريد أن تصنع السياحة، تخلص من البيروقراطية كاملا لأن السياحة بقيود لايُمكن أن تحقق شيئاً وهذا ما أثبتته عدة دول في الشرق بحيث إنها لاتمتلك مقومات كالتي نمتلكها نحن في السلطنة لتكون دولة سياحية ولكن بتوظيف الحداثة والتكنولوجيا استطاعت أن تحقق شيئاً من لا شيء . فما بالك بعُمان وثرواتها الطبيعية؟!

أحياناً أسأل نفسي لماذا لا يكون لدينا "تيلفريك" في عُمان؟! وفي ظفار خاصة أو في سلاسل جبال الحجر عامة؛ كالربط مثلاً بين جبل شمس والجبل الأخضر أو بين المدينة والجبل، ولماذا حتى الآن لايتم التخلص من القوانين البالية في إقامة المطاعم المحلية السياحية؟ ماذا يمنع أن نستضيف المسابقات العالمية؟ كالفورميلا مثالا فهي مسابقة رياضية عالمية ذاع صيتها وهي تشغل الفنادق وحجوزات المطاعم وسياحة الجماهير الذين يأتون من شتى بقاع العالم للاستمتاع بهكذا فعاليات بمعنى آخر حقن مبالغ داخل البلد ترفد عائدات القطاع السياحي. وهل تعلم وزارة التراث والسياحة أن سباقات الفورميلا باتت رائجة ولها سوق كبير جدا وغيرها من الأنشطه الرياضية والشبابية التي منها نستطيع الدخول في صناعة السياحة؟

عندما أتحدث عن صناعة السياحة نكتشف أننا ما زلنا في عُمان نتعامل من منطلق "تجارة السياحة" وليس "صناعتها"، وهذا ما يجعلنا اليوم متأخرين كثيرًا عن بقية الدول السياحية عالميا.

لنبدأ من وجود آلية مشتركة بين نظام البلديات والسياحة ووزارة التجارة في وضع قوانين ميسرة وغير بيروقراطية تسمح للشباب بالعمل داخل هذا المجال دون قيود قاهرة. افتحوا المجال للشباب كالعمل في فتح الأكشاك لبيع المواد الغذائية أو بيع التحف والهدايا التذكارية أو إعداد الوجبات السريعة في أي مكان يرغبون فيه، ليكون إحدى الخدمات المتنقلة التي يحتاجها السائح. لا تحبطوا الشباب عند استخراج التراخيص البلدية بإجراءات معقدة، فعُمان كدولة حباها الله بمقومات كبيرة ينبغي استغلالها.

لا نريد المثالية أو محاكاة نموذج لتجارب دول كبرى ازدهرت في هذا القطاع، بل يكفينا التواضع مبدئياً أن ننقل تجارب عدد من دول آسيا مثل تايلند، وماليزيا، وجورجيا، وأذربيجان؛ لأنها دول قائمة على السياحة، والمسؤولون يدركون تماماً كيف كانت هذه الدول قبل سنوات وكيف أصبحت الآن!

أرجو من المسؤولين في القطاع السياحي أن يدرسوا التجربة الأذربيجانية والجورجية والتركية وكيف استطاعت هذه الدول النهوض بقطاع السياحة بهذه السرعة. وهنا أسأل لماذا لا نحول مسندم وخصب لمدينة عالمية سياحية مثل مدينة شرم الشيخ أو مدينة دهب في جمهورية مصر العربية؟! أسأل أيضاً: ماذا قدمنا لمشروع جزيرة الديمانيات خلال السنوات الماضية؟ ولماذا قلعة بُهلاء شبه مهجورة منذ سنوات وخاوية من أي مقتنيات تراثية أو حتى مرفقات عامة أو أنشطة مثل التي نشاهدها في دول العالم؟ هل هناك دراسات قريبة لإدراج السياحة العلاجية ضمن رؤية "عُمان 2040"؟! بحيث نتمكن من جذب المستشفيات العالمية إلى عُمان لإنشاء فروع لها.

اختم مقالي هذا وأخيرًا مناشداً وزارة التراث والسياحة والجهات الأخرى المعنية بالأمر، النظر في مسألة إحصاء عدد السياح القادمين إلى السلطنة سنوياً؛ لأن هنالك زوار يدخلون السلطنة لتغيير وتجديد تأشيراتهم في دول مجلس التعاون بنظام دخول وخروج في ساعات، ويتم تصنيفهم كسياح، وهذا أمر من الضروري التطرق إليه، حيث إن وجود آلية لتنظيمه سيسمح لنا بمعرفة الأعداد الحقيقية من السياح.