التحرُّر العربي من الإمبريالية الغربية (1)

 

سمير الهنائي

أنا على يقين بأنَّ العدوان غير المسبوق وتكالب قوى الشر على غزة بعد إبادة الآلاف من الفلسطينيين وفي مذبحة جماعية فريدة من نوعها عبر تاريخ احتلال فلسطين والتي دعمتها القوى الإمبريالية هذه المرة بشكل علني وفوري هو بمثابة لحظة تاريخية فارقة، نعم لم ينتهِ العدوان على غزة ولكن المقاومة انتصرت كمعادلة هنا.

ومهما كانت الضريبة فهو الاستثناء بين دبابة محتل وبين بندقية ثائر، وبالإيمان وحده يقاوم الفلسطينيون من اغتصب أرضهم فانتصروا وسينتصرون أمام كل هذه التحالفات العظمى العملاقة رغم حجم البندقية وغصن زيتون الفلسطيني لكي يُجلي آخر صهيوني من على الأرض، وفي هذه الإبادة لم ينكشف وجه الغرب القبيح فحسب بل كُشفت وجوه "العربي المتخاذل" ووجه المتواطئ والمتصهين معًا، وما كان مؤلمًا هنا هو أن يكون الإنسان الغربي أكثر نخوة لنصرة أهل غزة تنديدًا وتظاهرًا ضد المحتل وداعميه، بينما اكتفينا نحن بمشاهدة برك الدماء والجثث من خلف الشاشات وتوارينا بعيدا عن الساحات والميادين إلا القليل ممن رحم الله في الأمة .

أيها القارئ العزيز؛ اسمح لي هنا أن أقدم وجهة النظر حول مسببات الصمت العربي وأنا أشعر بالخجل من هذا التخاذل المؤسف، فصمتنا نحن العرب نحو القضية تحصيل حاصل وهذا الضعف العربي والشعبوي تحديدا ما كان ليتحقق لولا ما صنعته قوى الاستعمار في تحويل الشعوب العربية لأفواه تأكل ولا تنتج، وعقول تسرح ولا تفكر وأجيال تتعلم ولكنها لا تبدع وعلماء ذوي مخرجات علمية ولكنها مكبوتة فكرياً، ومثقفين نسخ ولصق، وإعلام /صحافة للتجهيل وفنون منحطة، والثقافة باتت معلبة ولا تقوم سوى بنشر وطباعة الكتب التي لا تعنى بالمعرفة؛ بل وصل البعض منها للتفاهة والخواء في مختلف المجالات، فتمنح الشعوب الغذاء والماء مقابل حرية الفكر والتعبير فقامت الأنظمة الفاسدة بعسكرة الدولة وتعميق الفوبيا الأمنية ومن ثم تعزيز القمع، بدءًا من نشر التخلف وتوظيف الدين في خدمة السياسة ومن ثم إشغال الأجيال والأطفال بالتكنولوجيا السلبية والعمل على غرس المناهج التعليمية البسيطة والمحدودة التي يذهب من خلالها الطالب كل صباح ليلقنها له المعلم من الكتب حتى يبلغ الثانوية العامة ويجتهد ليقدم امتحانات من داخل صندوق المناهج ويمتحنها بعد إعادة تدويرها ليحصل على علامة جيدة أو ممتازة لتؤهله إلى كلية الطب أو الهندسة مثالا، ويستمر داخل نفس الحلقة تلقين من ثم تخزين للمعلومة ويسلمها للعقل دون تفاعل فقط "الحفظ"حتى موعد التخرج.

لقد ساعدت القوى الغربية والمهيمنة على صناعة وبرمجة الشعب العربي ثقافيا وعلميا وفكريا وما وصل إليه اليوم من انكسار وضعف.. كان ذلك كله بدعم الدبابة الغربية ولقد حكموا المنطقة بصورة مثالية ونجحوا.

وقبل أن أختم هذا المقال أقولها بصرخة عربي وبقلم عربي حالم لن نفلح في شيء نحن معشر العرب دون الثقافة وتعميق الوعي السياسي في مجتمعاتنا، وبهذا سيعود العرب للمجد والقوة حينها فقط يستطيع العالم العربي أن ينطق الحق ويقف ضد الظلم والطغيان ويواجه بقوة وإيمان لرفعة العدل والحق والكرامة، وحينها فقط سيكون قادرا على تحمل كلفة الدم والروح.

أما الآن ناموا وقبل النوم عليكم أن تنجبوا جيلًا لا أقول ثوريًا أو قساميًا؛ بل قارئًا، لكي يعرف من أين يبدأ الطريق إلى الحرية والكفاح.