أحمد السعدون.. رحيل هادئ وعطاء لا محدود

 

سمير الهنائي

ترددت أولاً في ما سأكتب بعد الساعة المبكرة من فجر هذا اليوم، فكلما كتبت كلمة حذفتها مباشرة، هل ستكون رثاء أو مقالا وعلى هيئة خبر، والحلقة المفقودة هنا هي كم من الذين يشبهون الشيخ أحمد السعدون عكعاك في عطائه لوطنه ومجتمعه؟! والذين بقوا مجهولين منذ بداية السبعينيات على سبيل المثال؟!

السعدون قدم الكثير لخدمة وطنه منذ فجر النهضة المباركة والتي بدأها بالسيارات التي أهداها لعدة وزارات وهيئات حكومية حبًا لخدمة بلده وليكون قدوة لرجال الأعمال الآخرين ليعطوا الوطن ولو الجزء البسيط مما أنعم الله عليهم من خيرات لتتحقق شراكة البناء والتعاضد المجتمعي والوحدة الوطنية.

لا أعرف الراحل عن قرب إلا فقط من خلال قريبنا الذي كان يعمل معه في بدايات مطلع الألفية الثانية،حينما جئنا في بداية شبابنا من القرى إلى العاصمة بحثاً عن العمل وقتها، فمن خلال ارتيادنا الدائم لذلك المجمع للتسوق والتجول كنَّا نسترق النظر إليه من بعيد نشاهده وهو يمد يمناه للسائلين ومن يطلبون المساعدات مع بداية كل صباح عند مدخل المجمع وتارة بين ثناياه في كل مرة دون أن يتذمر أو ينهر أحدهم بل حتى دون ملل أو كلل من العطاء عاملاً بالآية الكريمة "وأما السائل فلا تنهر".

ونحن كجيل الثمانينيات ما كان لنا مكان للتسوق الشبابي في مسقط من حيث التنوع سوى "الأوكي سنتر" ذلك المركز التجاري القابع وسط منطقة روي بالعاصمة مسقط والذي كان يحرسه جبل صغير من الخلف ليبقى هذا المركز شامخاً وشاهدا على أنه أول مركز تسوق تجاري في السلطنة مركز "الأوكي سنتر" أو كما تعني المختصر الإنجليزي لكلمتي عمان والكويت والذي أنشأه الراحل الشيخ أحمد السعدون رحمة الله عليه مع بدايات تنامي عصر النهضة.

ربما آخر خبر تلقيته حول غيابه وصحته كان قبل عيد الفطر في السنة الماضية عندما كنت أتسوق داخل المجمع أفادني أحد التجار هناك بأن الراحل كان متوعكاً صحيا وكان يقضي آخر أيامه في دولة الكويت ومصادفة قرأت خبر وفاته ليلة الأحد .

رحل السعدون حاملاً معه حب الوطن والكويت معًا التي طالما عاش فيها بداية شبابه في ستينيات القرن الماضي قبل أن يعود للوطن فكان للقدر كذلك أن تنتهي حياة السعدون في الكويت ليوافيه الأجل فيها.

رحل بهدوء وعاشت أعماله الخيرية والتطوعية كذلك بهدوء رغم ضجيج روي المزدحمة الذي نعرفه، رحل وقلبه متعلقًا بالوطن عمان وبالكويت عشيقا، رحل السعدون وبقي الأوكي سنتر ساردا لنا الحكايات وموضات الشباب في روي التي سكنا وعشنا فيها بداية شبابنا من أجل العمل.

لا شك أنَّ حياته لم تخلُ من منغصات وتحديات في أعماله وتجارته في البدايات وحتى النهاية أيضا ولكنه كان مؤمناً بأنَّ المصاعب والمتاعب هي من أولويات الصعود نحو سلم النجاح، عاش حياته كريما وسخيا على مدى ما يزيد عن 70 عامًا ومات عزيزا وبقيت أفعاله في قائمة الرجال الذين خدموا وأعطوا للوطن، نسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وتعازينا لذويه وأسرته ولكل محبيه.