سمير الهنائي
عاش الشاعر زاهر الغافري طفولة مُرَّة، لكنها كانت أولى خطواته ليعبُر من خلال السلم من ميناء مطرح إلى بغداد التي صقلت فيه الكتابة والتعليم، ومن ثم لاحقًا ليتنقل إلى عدة دول في العالم الذي اختاره زاهر ليعيش فيه وهو الاغتراب، عاش الغافري هكذا حرًا كعصفور مُهاجر من بلد إلى بلد آخر، بقلب كفؤاد الطير، متعلقًا بالنخلة والفلج العُماني، رغم طول المسافات بين مالمو السويدية وولاية سمائل.
ظل زاهر يتردد بين دول الشرق والغرب دون أن يشعر بملل الانتظار في المطارات أو الساعات على متن الطائرات، وهو أشبه بغزارة الكتابة في حياته، بعدما اختطفه الشعر منذ أول وخزة، وهو لا يزال طفلاً صغيراً ليلقي به في نهري دجلة والفرات، إلى أن غرق وتشبعت روحه علمًا ومعرفة، وما كان يحزنه في غربته التي اختارها لاحقاً سوى هموم العرب أو قضاياهم؛ حيث كان يؤلمه التَّخلف والتردي وتقاعس وضعف الشعوب العربية ومشاكلها المتوارثة، لقد عاش كما أراد أن يعيش دون أن يلتفت للتقاطعات مع ممن لا يؤمنون بعنفوانية الاختلاف في الحياة.
عرفتُ الشاعر الراحل بعد موجات الربيع العربي على فيسبوك، وكم تحاورنا وضحكنا معاً وتهاتفنا ولكننا لم نلتقِ رغم الوعود المقطوعة ولكن ظروف المسافات والأوقات عاندت ذلك اللقاء المنتظر، كم تشابهنا مع زاهر من حيث الشغف والحرص على الأسفار لاكتشاف العالم والشعوب ولكننا لا نشبهه في أعماله الأدبية أو في فلسفته الشعرية وغزارة إبداعاته التي تفرد بها من حيث الأسلوب المُميز لافتاً بذلك شعراء وأدباء عالميين والقراء في العديد من دول العالم من خلال توظيفه السخرية في العديد من أعماله والكلاسيكية الحزينة التي ستظل عالقة في أذهاننا ومحفوظة على رفوف مكتباتنا.
سيبقى صوته المهجن باللهجة العراقية في ذاكرتنا، وكلما تذكرنا زاهر الإنسان الحُر والمسافر الذي عاش الحياة على طبيعتها دون تكلف أو تصنع، عاشها وهو مؤمن كما كان يُردد:- "بأن للحياة فقط صوت واحد هو صوت الألم"، وهو هنا لا يقصد بالألم الجسدي ولكنه الألم الروحي من حيث التفاصيل في المنعطفات الحياتية من خيبات وآمال مرورا بالتناقضات حول الوجودية، إلّا أنه كان يتعامل معها بالمرح والرقص مستخدمًا كل الطرق للوصول إلى النشوة العقلية التي تستمتع بها النفس وتبهجها وتجعلها أكثر اطمئنانا وعدم الاكتراث لكل تلك التساؤلات المتعلقة بالوجودية والإنسان لأنه عاش الفردوس الذي كان يراه ووصل إليه بطريقته تلك التي اختارها وآمن بها.
ولأنَّ الموت حقيقة، رحل عنَّا زاهر الغافري دون وداع كالذي عودنا عليه عند مغادرة عُمان لتسكن روحه بسلام.
نعم.. فقد يكون المرء غريبًا في وطنه، أحلامه،طقوسه ولكنه قريب جدا ممن يحبونه، ويتشاركون معه أفكاره فسيظل الشاعرالعُماني زاهر الغافري قامة وتجربة مثرية ومتفردة في عالم الأدب.
صادق تعازينا لكل محبيه وذويه وإلى القراء في كل مكان.