غياب الثقة بين أطراف الإنتاج

 

ناجي بن جمعة البلوشي

قبل فترة زمنية بسيطة قامت وزارة العمل بإلغاء الحد الأدنى للأجر المرتبط بالمؤهلات والشهادة العلمية، مما أثار حفيظة اتحاد عمال عُمان ليخرج الاتحاد بردة فعل وانفعالات وصلت بمجملها إلى الشارع العمالي وخصوصاً إلى عقول الباحثين عن عمل من حملة تلك الشهادات والمؤهلات.

هذه الانفعالات أشعلت الحالة النفسية في أولئك العمال  لكنه بعد فترة زمنية بسيطة مرَّ وكأنه لاشيء أو لنقل لم يلتفت أحد إلى آثاره السلبية النفسية التي ستبقى بين أفراد المجتمع لفترة زمنية طويلة، كما ربما سيكون بداية لغياب أو زعزعة الثقة بين الوزارة والاتحاد العام للعمال الذي يمثل كم كبيراً من العمال وهو ما تحتاج إليه الوزارة في مسيرة عملها كونها ستنظم سوق العمل في كل مرة بين العمال وأصحاب الأعمال لأن الوزارة هي في حقيقتها منظمة للعمل بالتوافق بين الأطراف الآخرى. لكنها بعد مرور قليل من الزمن لم تكن بعيدة عن التوجه بقرار مماثل لم يصب في مصلحة الطرف الآخر وهم أصحاب الأعمال حيث لفتنا أمس البيان الصحفي الصادر من غرفة تجارة وصناعة عُمان وهي الممثلة لتجار عُمان أو ما أطلق عليهم هنا بالكيف، ذلك البيان المتمثل في عدم اتفاق الغرفة مع قرار الوزارة أو التغيرات والسياسات والإجراءات المنظمة لمثل تلك التنظيمات. وبذلك فإنِّه إذا كانت الوزارة قد أقرت خطة تنفيذية لعامها الحالي مع التأكيد على توظيف عدد من الباحثين عن عمل في وعاء الاحتواء الأول وهي شركات القطاع الخاص فإن مثل هذا البيان في عدم التوافق مع سياساتها يعني أن سبباً ما سيكون عائقاً لتلك الخطة، كما أنه ربما سيكون سببا في إخفاق جهود جذب الاستثمار وزيادة تدفق رؤوس الأموال إلى السلطنة.

وفي كل الأحوال نقول إذا كان اتحاد عمال عمان هو الطرف الأول الذي ربما فقد الثقة بالوزارة ليتبعه اليوم في نفس النهج غرفة تجارة وصناعة عُمان وهي الطرف الثاني من أطراف الإنتاج الثلاثة، فمن تبقى مع الوزارة من الأطراف الثلاثة لإتمام ما معها من خطط وتوجهات وإيجاد حلول لقضايا كانت شائكة مدة طويلة من الزمن، هذا طبعاً إذا قد فقدت الثقة بينهما أما إذا لم تفقد بعد فهم لازالوا ثلاثة لكنهم غير متعاونين لأسباب لايمكن لنا وضعها هنا إلا أن تلك الأطراف معها من ينضم إليها من منتسبين فإذا لم تتوافق وتتواءم مع منتسبيها فإنها لن تقدم شيئا يفيد الأطراف الأخرى.

وإذا كنا سنقول إن الثقة موجودة بينهما فإن تصريح رئيس اتحاد عمال عمان ووصف معرفته بالتعميم على أن الاتحاد تفاجأ من ذلك التعميم فهذا يعني أنه لم يجلس مع الوزارة لتأخذ منه مشورة ولو كانت أبسط من البسيطة، كما أن البيان الصحفي لرئيس الغرفة وتحذيره من التبعات السلبية من أثر قرارات الوزارة جاء فور نشر القرار بالجريدة الرسمية، هذا يعني بأنه ربما كان أيضا بعيدا عن المعرفة بهذا القرار أو التغيرات والسياسات والإجراءات المنظمة التي تتخذها الوزارة في شأن أصحاب العمل دون التشاور معهم في أي شيء يذكر.

ولأن الوقت لا يساعد على فقده في هذه الفترة الزمنية من عمر النهضة المجيدة لتشابكها مع الظروف المصاحبة للاقتصاد فإننا نرى أن وجود الوزارة في نقاش وتشاور مع الكم والكيف أجدر للمرحلة خاصة عند دمجهما مع بعضهما ليشكلا  -كيفكم- في كل مناقشة تصل في نهايتها إلى الاقتناع التام بينهما. ومثال على ذلك نؤكد أنه إذا كان هناك توافق من الاتحاد العام لعمال عمان قبل أول تعميم صدر من الوزارة فإنه وبموجب مسؤوليته الاجتماعية سيكون له الباع الطويل في نشر ثقافة جديدة تصل إلى أبناء المجتمع لتساعدهم على القبول بالوظائف والشواغر بل وحثهم وتشجيعهم على ذلك ما يعني الالتحام مع جهود الوزارة، كما إن غرفة تجارة وصناعة عمان لو كان معها اقتناع بما تريد أن تتخذه من إجراءات وسياسات وقرارات فإنِّه بإمكانها جزما حث منتسبيها على التعاون المثمر والبناء في دعم ما تريده الوزارة وما تقوم به من خُطط وخطوات.

وفي النهاية هناك مناظير ينظر بها الإنسان في القرارات بعد التمعن فيها، وقد تكون تلك القرارات هي المصلحة الأكثر فائدة للأطراف لكنهم بعيدون عن معرفة ما الغاية منها، لذلك فإنَّ الجلوس معهم كافٍ في وضعهم موضع العارف بالشيء والمتعرف عليه قبل التفاجؤ به، فلربما في إلغاء الحد الأدنى للأجور المرتبط بالشهادات هناك فائدة للباحثين عن عمل في حصولهم على وظائف في محافظاتهم وولاياتهم، ولربما في رفع قيمة التراخيص في بعض المهن فائدة لأصحاب الأعمال ومنع انتقال موظفيهم إلى شركات مستترة خاصة بعد إلغاء المادة 11 من قانون الإقامة، لذلك فإنَّ التقارب بين الأطراف الثلاثة ضرورة حتمية للوطن والمواطن.