الرهان على الأمل

 

جيهان رافع

إنني ولوقتي هذا أعيش كما ملايين المراهنين مثلي على حب الحياة وقدرتها، على العبور بنا نحو السلام والأمان، وما أكبر وأجمل من هاتين الكلمتين: السلام والأمان، فيهما تكمن حياة المرء ومن دونهما يكمن موته في الحياة، شعور يأخذنا إلى حدود، الدهشة والنضال، والأمل، يراود أفكارنا على بدعة حياتنا وموتنا، وربما الفائز منِّا هو من ينجو بهما إلى برّ البقاء على قيد حياةٍ سليمة صحيًا ونفسيًا وماليًا، في تلك الكلمات باتت أمنياتنا محاصرة داخل كل فرد منِّا.    

وما زلتُ أفكرُ منذ بداية توجهي إلى الكتابة، هل من الممكن أن أجدَ أسئلةً تناسبُ كل هذه النتائج المرعبة والمتتالية التي نمر فيها؟ والتي تفاجئنا كل لحظة بجديد، فتجعل الفضاء يتواطأ على أنفاسنا، وكم من المجدي البحث عن أجوبةٍ مُبهمةٍ لأحداثِ نمرّ فيها، خصوصاً وأن الرعب الحقيقي وبتجربة الأسلاف قبلنا يقول: إنَّ الكتابة بقضايا على مستوى العالم أشبه بالمستحيل! فكيف وأنا أحاول الكتابة عمّا يمرّ به الكون والتي هي ومن دون نقاش: عن حياةٍ باتت تسير في ثوب الموت أردتُ باختصار أن أقول في تقديمي هذا: إنني أرى عدم لزوم البحث عن عملٍ فنيٍّ مُتقن الشكل ومُحكم البناء على حساب حقيقة وواقعية ما نعيشه، ذلك برأيي عندما يفرض على الكاتب العيش في ظرفٍ استثنائي لا يستطيع المتَخيل فيه التفوق على الواقع! وعلى الشخصية الموجودة والمتعددة، فأي كاتب بالضرورة قارئ وأيٌّ منا وعبر تاريخ الكتابة الطويل سيعرف أن ما تقدمه الأرض هنا من احتمالات لم يكن يوماً زوادة لكاتبي الأدب والمقالات فقط، بل هو زوّادة من العدم، تطرح نفسها وعلينا القبول بها، وكل ما يمكن أن نفعله هو ابتكار جديد لأملٍ ولو كان ببداية طريقه.

هذا الواقع الحالي الكاسر لكل مألوف عشناه من قبل، فنحن نشهد ذواتنا للمرة الأولى تحت مقصلة الزمن، مقصلة الحقيقة المُرة، لذلك كنت وما زلت منذ البداية ومع كل الطرقات والسبل التي جعلتني أقف بلا نهاية، مكتوفة الحرف عند تفريغ حمولة الوجع، جعلتُ أحلامي معلقة، رمادية ربما، فلقد وجب الاعتراف بأنَّ رمادية الأرض حقيقة تضعنا في قبضتها تجهل النهايات وتفرض البدايات.. لم أصنع مصائر ومستقبل ما أكتبه، فالحاضر ما زال أقوى والاحتمالات تنقصها القناعة.  

أقصد أنني اخترت فضاءً كلامي غائم لا اتضاح فيه بمصائر ومستقبل طموحاته..

وأن أكون أصدق من جماليات الكتابة بتغطية الوجع بالورود، فنحن شعوبٌ تمرّ بأقسى تجارب الصبر والإيمان والثقة بالنفس وبالقادم من الأيام، هل سنشهد المزيد من المفاجآت الموجعة؟ أم سينتهي هذا الفيلم الحياتي؟ فتُسدَل الستائر على كل هذا الخراب والدمار البشري مثلما أُسدلت من قبل على جريمة الإنسان في هيروشيمة ناكازاكي وجرائمه في الحروب العالمية التي افتعلها وظنّ أنه على حق!

كلما اهتزت المسلمات أمامنا أصبحت أبعد ما يمكن عن اليقين، لذلك حاولت أن أكون وفيّة  لكل هذا الضياع وهذا الشتات وأردت أن أدقق بتفاصيلٍ يومية لأناسٍ ليسوا أبطالاً بقدر ما هم ضحايا لجرائم الإنسان فلم أرفع عن هذه الكتابات طيبتها، روعتها، وأملها، ولم أحاول ابتكار الأبيض لأحارب كل هذا السواد، فما زال في جعبة هذه النفوس أمل يكفي لينتقل بالعالم إلى ضفة السلام.