نظيرة فوق القمَّة

فايزة بنت سويلم الكلبانية

Faizaalkalbani1@gmail.com

"أرى السماء هناك في متناول الأيدي..

ويحملني جناح حمامة بيضاء صوب طفولة أخرى..

أحلُم بأني كنت أحلم.. كل شيء واقعي...

هكذا أزهر بي علمي وحلمي الذي تحقق..

 سعيدة بجهود أتت بثمارها..

فرحة بالنجاح الذي تحقق".

كلماتٌ غرَّدت بها المغامرة والمتسلقة للجبال نظيرة الحارثية من أعالي قمة جبل أما دابلام التي ترتفع فوق سطح البحر بنحو 6812 مترا، بينما علم السلطنة كان يرفرف بين يديها فخرا وإنجازا.. بكل عزيمة وإرادة.

نظيرة الحارثية فتاةٌ عمانيةٌ ملهمة، جميلة، رقيقة، عيناها تلمعان بالأمل، تُشعان طاقة نور هائلة، تمنح كل شاب وفتاة في هذا الوطن الحماس والتفاؤل الذي نتمناه ونرغب فيه، إنَّها أول عمانية تصل إلى قمة جبل إيفرست التي يبلغ ارتفاعها 8848 مترا فوق سطح البحر، وبالأمس القريب انتزعت إنجازا آخر ليضاف لرصيد إنجازاتها الاستثنائية بصعود قمة جبل "أما دابلام" بدولة النيبال؛ إحدى قمم جبال الهيمالايا المعروفة، والتي تعلو 6812 مترا عن سطح البحر.

الحارثية أنموذج رائع للشغف وحب المغامرة والمثابرة والإنجاز والطموح، تواصلي المباشر الأول معها كان في العام 2019 لتكون إحدى قصص النجاح الشابة التي نحرص على تقديمها من واقع المجتمع لغيرهم من الجمهور الحاضرين بمختلف الفئات العمرية ضمن برنامج جولات "جائزة الرؤية لمبادرات الشباب"، والتي تنظمها جريدة "الرؤية" بشراكة حصرية مع "أوكسيدنتال عمان" بهدف التحفيز والتشجيع، فأبدعت في طرحها وإثراء اللقاء حقا.

في تواصلي معها للتهنئة بهذا الإنجاز، أكدت أن "بلوغ قمة جبل أما دابلام استغرق 19 ساعة من التسلق، ولكن تحقيق هذا الإنجاز جعلها تشعر بالفخر والاعتزاز، عندما رفعت علم السلطنة عاليا بين يديها في أعالي قمة أما دابلام، كل ذلك أنساها عناء الطريق ومشقته، حيث كانت لها تجربة سابقة أولية لصعود قمة أما دابلام في العام 2018، وها هي تعود اليوم لإنجاز أكبر وأعظم".

بداية الطريق نحو القمة مع نظيرة بدأت من زيارة كمهمة عمل من وزارة التربية والتعليم سابقا مع الطلاب لأحد جبال إفريقيا قمة "كليمنجارو"؛ وذلك لجمع البيانات عن المياه  والتربة والهواء، راودها الشعور بالارتباط الروحي بينها وبين قمم الجبال لتكون لها عودة لتبلغ القمة بعد أن عاودتها دون الوصول لقمة جبل كليمنجارو، وفي 2017 كونها تعمل مديرة دائرة المواطنة بوزارة التربية والتعليم سابقا، وطبيعة عملها يحتم عليها أن تلتقي فيه بعدد من الشباب العمانيين الناجحين لتسرد قصص نجاحهم للجمهور، فهنا كان اللقاء بالمتسلق الراحل خالد السيابي ليحكي لها مغامرة إنجازه في صعوده لقمة إيفرست في العام 2010م، وهذا اللقاء كان نقطة الانطلاقة لهذا الحلم. وغرَّدت حينها تغريدة وضعت حينها صورة خالد السيابي؛ وتقول فيها: اليوم التقيت بمتسلق الجبال خالد السيابي "ونظيرة سوف تتسلق الجبال.. وأنا أستطيع". ومن هنا بدأت التدريبات والاطلاع والالتزام الصارم الجاد بإشراف الراحل خالد السيابي.

ما لفت انتباهي في أحاديث نظيرة المتنوعة، وفي ظل تعطشنا لتعزيز "ثقافة الشكر"، بأنها كثيرا ما يتردد على لسانها ذكر مواقف الدعم والمساندة التي قدمها لها المتسلق العماني الراحل خالد السيابي -رحمه الله- والذي ترك لنا روايات عدة عن صعوده لقمة جبل إيفرست في 2010م، فذكر السيابي "الغائب الحاضر" في ذهنها ومجلس حديثها، يمثل اعترافا وإخلاصا لوقفاته المحفزة التي شجعتها لبلوغ هدفها.

ذات يوم، كتبت نظيرة الحارثية عبر حسابها الرسمي على "تويتر" تغريدة تكشف خلالها نقطة البداية لهذا الشغف؛ فتقول: "في أول لقاء لي مع خالد السيابي ليروي حكاية صعوده لإيفرست لتضمينها في أحد الكتب المدرسية، تأثرت ورأيت نفسي أنا أيضا على قمة إيفرست، ففي الجلسة ذاتها قلت له أريد أن أتسلق إيفرست أيضًا، فرد علي مباشرة نعم تستطيعين ذلك، ومن حينها -قبل أكثر من سنتين- وخالد يتولى تدريبي لهذه المهمة ويقدم لي النصح والدعم، واليوم وأنا في المخيم الرئيسي لإيفرست وقبل أسابيع بسيطة من تحقيق الحلم والوصول إلى القمة يصلني خبر وفاتك، فرحمة الله عليك".

نظيرة الحارثية.. مثالٌ حيٌّ ورائع للإرادة العُمانية الملهمة، وكما قال لها مدربها: "يوما ما حين تكون الأمور بخير.. ستنظر وراءك وتشعر بفخر بأنك لم تستسلم".