في القهوة قوّة

 

جيهان رافع

 

القهوة الصباحية فنجان من الانتظار والعزلة، هي تلك الممارسات المصحوبة بشعورٍ مجهول الهوية، وشعور بالقوّة في آن، فالجسد الذي يحتمل القهوة ولا يكترث بآثارها الجانبية فهو بالفعل قوي البنية، ومما يؤدي إلى قوّة التفكير الإيجابي الآتي من الصحة النفسية والجسدية، -ليس بالضرورة أن يكون ما سلف معمماً على كل الأشخاص-  ينفرد ذلك القهوة الصباحية بأسرارك القاتمة والناصعة في آن، تمزج مرارتهما ويدور في رأس صباحك قبل الرحيل إلى دوامة العمل بقليل، تتشظّى في دخانها ذاكرتك، تتنقل بين زمن الخوف وزمن اللهفة، القهوة حديث أسمر شفّافٌ نقي يدور بينك وبين ذاتك، فالصباح الذي لا يستقبلك به وجه الفنجان الممتلئ بالذاكرة لسبب ما _ربما صحي_، وحين تبدأ رحلتك اليومية من دونه تقوم بالبحث عن رائحة عطرٍ تعوّض عليك ما فقدتَ من لذّة، وربما تبحث عن سبب يجعلك تستمر على قيد الرغبة بالحياة من دونهما، وتلك هي عبثية الانتظار والأفكار.

"يا قهوتي... لا تهتمي في إيقاع الوقت وأسماء السنوات... سوف أحبّك عند دخول القرن الواحد والعشرين... وسوف أحبّك ... حين تجفّ مياه البحر... وتحترق الغابات".

(نزار قباني)

"سبع أيام كاملة من دون قهوة تجعلك ضعيفًا" (منقول)

قال الطبيب لي يومًا: يجب ألّا تشربي القهوة!!

فقلت له: أنت تطلب مني أن أحيا في موت رائحة الصباح، فكيف لي أن أعدّ فناجين الحياة؟.

ومنذ ذلك الوقت وأنا أبحث عن رائحة تُهديني صبرًا على الفقدان، شعرت وكأنني أفتقد الحبيب وأنه لا بديل لي سوى الحنين والذكريات.

لقد قال أحدهم: "تصالح مع نفسك بفنجان قهوة".

"متعبون نحن، حتّى أخمص الروح، مرهقون نحن وقلوبنا تمطر حزنًا لكن كل هذا لا يمنعنا من مجاملة الصباح بابتسامة ودعوته لكوب قهوة بنكهة الأمل أن القادم أفضل". (منقول)

بعد هذا كله أيها الطبيب كيف لي أن أدعو الأصدقاء للابتسام في وجه الصباح؟ ففاقد الشيء لا يعطيه.

وكما قال محمود درويش: "لا أريد غير رائحة القهوة ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدميّ، لأتحول من زاحفٍ إلى كائنٍ، لأوقف حصتي من هذا الفجر على قدميه، لنمضي معًا، أنا وهذا النهار، إلى الشارع بحثًا عن مكانٍ آخر، أريد رائحة القهوة".  

أما عن القهوة العربية التي تتسم بعادات وتقاليد جميلة مؤثرة تعبّر عن النخوة والرجولة لدى العرب وأهمها: تقديم القهوة باليد اليمنى، التدقيق على كمية القهوة في الفنجان فهناك معايير يحترمها الجميع حيث لا يجب ملء الفنجان لأكثر من ثلثه وهذا ما يدعى (صب الحشمة) ثم تأتي عادة الضيف في التعبير عن الاكتفاء من شرب القهوة فيشير إلى ذلك بهز الفنجان وأحيانًا يكون التعبير بكلمة "تكرم" كما أن لعدد المرات التي تُقدم فيه القهوة للضيف حكايات أيضًا: الفنجان الأول يطلق عليه (الهيف) ويشربه الضيف كي يُثبت للمضيف أنَّ القهوة لا تؤذيه بشيء، والفنجان الثاني يطلق عليه (الضيف) فهو عنوان للتكريم والمعزّة، والفنجان الثالث يطلق عليه (فنجان الكيف) وهو للاستمتاع بطعم القهوة والرابع يطلق عليه (فنجان السيف) ويشربه الضيف للتعبير عن وقوفه مع المُضيف في حال تعرضه لأي اعتداء.