الأحكام الموضوعية والإجرائية للشُفعة

د. مصطفى راتب

أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

الشُفعة قيد استثنائي على حرية التملك والتصرف والتعاقد، فبمقتضاها قد يجد المشتري نفسه مجبراً على التخلي عن العقار الذي اشتراه، أو يجد البائع نفسه طرفاً في عقد مع شخص آخر غير الذي باع له، وفي الوقت نفسه يجد الشفيع نفسه طرفاً في عقد لم يناقش بنوده ولا شروطه، ولم يشترك في انعقاده.

ويقوم نظام الشفعة على مكنة يستطيع بها الشفيع أخذ العقار المبيع، رغماً عن البائع أو المشتري أو أيهما، وذلك باستصدار حكم قضائي بالحلول محل المشتري، إذا لم يسلم له الأمر رضاء، ودوماً ما يحتج بأن الشفعة شرعت لدفع المضار، تطبيقاً لمبدأ لا ضرر ولا ضرار. وتنص المادة (903) معاملات مدنية على أن"الشفعة هي حق تملك المبيع أو بعضه الذي تجري فيه الشفعة جبراً على المشتري بما قام عليه من الثمن والنفقات".

يفهم من هذا النص بأنَّ الشفعة تتحقق في حالة ما إذا بيع العقار، وقام لسبب قانوني ما يخول لشخص آخر الحلول محل المشتري في شراء هذا العقار، بحيث تكون له أولوية عليه وعلى غيره. ممن يريد تملك هذا العقار، ويسمى هذا العقار "المشفوع فيه"، ويأخذه من يقوم به، ويسمى هذا الشخص "الشفيع"، ويكون مالكا لعقار آخر يسمى "المشفوع به" بالحلول محل مشتري العقار الذي يسمى "المشفوع فيه" في العقد الذي أبرمه.

والواقع أن تكييف الشفعة بأنها رخصة لهو القول الحق في نظرنا، فالرخصة أدنى من الحق وأكثر من الحرية. والشفعة لا تجوز إلا في بيع العقار، فلا يخضع أي تصرف قانوني آخر للشفعة. ومؤدى ذلك أن الشفعة لا تثبت في المقايضة أو الوفاء بمقابل ولا تجوز كذلك في كل من عقد الصلح أو عقد القسمة، ولا تثبت الشفعة في حالة كسب الملكية بالوصية أو بالميراث أو بالتقادم.

ويشترط للمطالبة بالشفعة أن يكون هناك بيع قائم وموجود، فلا مجال للأخذ بالشفعة إذا كان البيع باطلا بطلانا مطلقا، حيث إنَّ العقد الباطل لا وجود له، ولكن يجوز الأخذ بالشفعة إذا كان البيع معلقاً على شرط فاسخ لأنه عقد صحيح قائم منتج لآثاره إلى أن يتحقق الشرط الفاسخ، وكذلك الحال بالنسبة للبيع المعلق على شرط واقف، فهو وإن كان غير نافذ إلا أنَّه موجود.

وإذا كان البيع يستر عقداً آخر، فإنَّ الشفيع باعتباره من الغير يجوز له التمسك بالعقد الصوري الظاهر أي البائع، متى كان حسن النية لا يعلم بالصورية، ويمكنه بالتالي طلب الأخذ بالشفعة دون أن يستطيع المشتري الدفع في مواجهته بالعقد الحقيقي المستور.

يجب أن يكون البيع المشفوع فيه الذي أبرم بصفة نهائية أصبح ملزمًا، وعلى ذلك فلا تجوز الشفعة إذا كان الأمر لا يزال في مرحلة التفاوض شأن البيع، أومجرد وعد بالبيع أوبالشراء.

هناك بعض البيوع التي لا تجوز فيها الشفعة، وقد ذكرها المشرع العماني في المادة (911) وهي على النحو التالي: 1- في الوقف ولا له إلا بمسوغ شرعي 2- فيها ملك بهبة بلا عوض مشروط فيها أو صدقة أو إرث أو وصية 3- فيها تجري قسمته من العقارات 4- في البيع إذا تم بالمزاد العلني وفقاً للقانون.

أولا: البيع بالمزاد العلني: والحكمة من منع الشفعة في هذا البيع، أن الشفيع يستطيع الدخول في المزاد. ثانياً: البيع لبعض الأقارب: تنص المادة (913) معاملات مدنية على أنه لا تسمع دعوى الشفعة في الحالات الآتية: 1- إذا باع الأب الأجنبي مال الولد فيه شفعة. 2- إذا باع الولد لابيه. 3- باع أحد الزوجين للآخر. 4- إذا نزل الشفيع عن حقه في الشفعة صراحة أو دلالة بعد البيع. ثالثا: بيع العقار ليكون محل عبادة: إذا بيع الحصة الشائعة في العقار لتكون محلاً للعبادة أومن ملحقاته فإنَّ هذا البيع لا تجوز الشفعة فيه، ضماناً لتحقيق الغرض منه، ولأن هذا البيع تراعى فيه اعتبارات خاصة في المشتري وفي الثمن وشروطه، ويجب أن يتم البيع بقصد جعل العقار محل عبادة، كجعله مسجدًا، فتجوز الشفعة فيه لو قُصد جعله مكانًا لتحفيظ القرآن الكريم.

وأوجب المشرع العُماني في المادة (914) معاملات مدنية على من يريد الأخذ بالشفعة إعلان رغبته فيها إلى كل من البائع والمشتري خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علمه بالبيع الذي يفتح باب طلب الشفعة، وإلا سقط حقه فيها ما لم يكن تأخيره بسبب عذر تقبله المحكمة. ومدة الثلاثين يوماً هي مدة سقوط لا مدة تقادم ومن ثمَّ لا يرد عليها الوقف والانقطاع.

وتقام دعوى الشفعة وفقاً لأحكام قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني رقم 29 لسنة 2002 أمام المحكمة الكائن في دائرتها العقار (م45) إجراءات مدنية وتجارية وهذا من حيث الاختصاص المحلي. أما من حيث الاختصاص القيمي؛ حيث تختص المحكمة الابتدائية مُشكَّلة من قاض واحد بدعوى الشفعة إذا لم يتجاوز قيمة الدعوى 70000 ريال عماني، أما إذا تجاوزت قيمة الدعوى 70 ألف ريال عماني فيكون الاختصاص بدعوى الشفعة للمحكمة الابتدائية من ثلاثة قضاة (م36) إجراءات مدنية وتجارية.

والعبرة عند تحديد المحكمة المختصة قيميا بالثمن المذكور في العقد إلا إذا طعن عليه أحد الطرفين بصورية، فتكون العبرة عندئذ بالثمن الحقيقي لا بالصوري وأخيرا نصت المادة (35) من نظام السجل العقاري العماني على أنه "يجب التأشير بإعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة في صفيحة العقار، ويترتب على ذلك إذا تقرر حق الشفيع بحكم سجل في السجل، أن يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ التأشير، ولا ينتج التأشير بإعلان الرغبة في الشفعة هذا الأثر ما لم يسجل الحكم النهائي بثبوت الشفعة خلال سنة من تاريخ صدوره". ويفهم من نص هذه المادة أن إعلان الأخذ بالشفعة لابد وأن يكون رسمياً وأن يعلن على يد محضر وإلا كان باطلاً، كذلك وفي ذات السياق فقد جاءت المادة (920) من قانون المعاملات المدنية العماني بنصها على أنه "لا يسري في حق الشفيع أي حق رهن تأميني أوحق امتياز رتبه المشتري أو رتب ضده على العقار المشفوع فيه إذا كان قد تمَّ بعد إقامة دعوى الشفعة وتبقى للدائنين فيما لهم من حقوق الأولوية فيما آل إلى المشتري من ثمن العقار".

وبناءً على ما جاء فإنِّه يترتب على التأشير على الإعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة ألا يحتج على الشفيع بالتصرفات الصادرة بشأن العقار المشفوع فيه.