ملكة جمال اللغات

 

جيهان رافع

 

"أنا البحرُ في أحشائه الدرّ كامنٌ... فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتي" (حافظ إبراهيم).

"لغةٌ إذا وقعت على أكبادنا كانت لنا بردًا على الأكباد...ستظلّ رابطة تؤلّف بيننا... فهي الرجاء لناطقٍ بالضاد"(حليم دموس).

ملكة جمال اللغات اللغة العربية، مبارك عليكِ شغف الأيام ولهفة الأعوام يا جوهرة اللغات يا هوية الصور وتبر الكنايات.

في 18 ديسمبر من كل عام يحتفل العالم بلغة الضاد، لغتنا العربية، لغة القرآن الكريم.

قال في اللغة العربية الفرنسي آرنيست رينان: "اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة".

حين قررت أن أتفقد ما مضى من العمر على صفحات كتب الشعر والروايات وجدتني أمشي من دون أقدامٍ أترك الأشواك تنبت في ذاكرتي لأقتلعها بالثقافة العصرية والجاهلية من اللغة العربية، حين يمرّ بي ألمٌ أفرغه بالكتابة فهي لغتي هويتي تراني قبل أن أراها تسحبني من وحدتي تضمني بين أذرعها لأجدني مرة أخرى حين تتوه بي مراكب صفوتي وصبري وتهيج بي عواصف الوجد فألجأ إلى محبرتي ولغتي.     

واليوم أريد أن أنثر في هذا المقال بعضَ العطر من جمال اللغة العربية في الشعر والنثر

"إنّ الذي ملأ اللغات محاسنًا... جعل الجمال وسرّه في الضاد" (أحمد شوقي).

كتبت من النثر ذات لهفة: وما زالت المسافة...تُحتضر في قلب الأمنية...تتحلل في كيمياء النبض ...الواصل بين التسليم للنوى ...ولهفة الوصل...ذابت الحُور تحت للثام ...ومن على...صهوة البعد لم يترجل فارسها.

على أديم القلوب تُثمر اللغة العربية من مطر الحنين، يرتدُّ على الآمال بفائق الأمل، وفي أغلب الأوقات تسير بنا في ذكريات الحزن لتتسكع في أزقته تاركةً زوايا الصمت بين الكلمات تُجيب على كل الأسئلة من دون أجوبة.

"أقصِر إليكَ من الوعيدِ فإنّني... ممّا ألاقي لا أشدُّ حِزامي... وأنا المنبّهُ بعدما قد نوّموا... وأنا المُعالِنُ صفحةَ النُوّام" (امرؤ القيس).

مضى لي زَمانٌ لو اُخيّرُ بينهُ... وبين حياتي خالدًا أبدَ الدهرِ...لقلتُ ذَروني ساعةً وكلامَها على غفلةِ الواشين ثمَّ اقطعوا عُمُري" (قيس بن الملوّح).

" يا دارَ عبلة بالجواءِ تكلّمي...وعمي صباحًا يا دار عبلة واسْلمي...ولقد ذكرتكِ والرّماح نواهلٌ...منّي وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمي...فوددت تقبيلَ السيوف لأنها...لمعَتْ كبارقِ ثغرِكِ المُتبَسّمِ"(عنترة بن شدّاد).

وعن وقع البوح وتشرّد الفكر حين يتكلم الصمت على الورق ويتلو الحبّ قصائده على شطآن محابرنا وعندما نريد نقش عرق الروح على الورق كتبت النثر:

وسطَ خواء الصفحات...على وقع دوران...الحبر في رأسه وغليان الدواة...في تشرّد البوح...يحطُّ النبضُ ضوءَ روحٍ...يحاورُ تعبَ السنينَ الهاربة...كرحلة المراكب التائهة...أغرقَها العطشُ بالماء...مصلوبُ الحلمِ...في قفصه الصدريّ.

سلامٌ لنهر عطرك الخالد في عروقي...يا عشقاً بألف عمقٍ غرستُهُ في دمي...فأثمرَ من اللهفةِ...مليونَ ساقيةٍ موسيقيّةٍ...أبتْ في عزّ الغياب أن تتجمّدَ...أَعرِض كما شاءَ...صباحُك والمقلُ...غيرَ مهجٍ بغرامِك نديّةٍ لن تجدَ.