حكومة بفكر اقتصادي

خلفان الطوقي

عام 2020م هو العام الأهم في تاريخ نهضة عُمان الحديثة والمتجددة، عام لملمة الأوراق، عام فيه تقيم ما تم إنجازه خلال 50 عاما مضت، واستعداد لمرحلة مقبلة لأجل تنفيذ رحلة التحدي مع الرؤية الوطنية 2040، عام يرصد كافة المكتسبات الماضية، وكيف يُمكن الاستفادة منه في الحاضر والمستقبل، وإعادة تقييمها إذا كانت تتوافق مع المرحلة المقبلة، وتتواكب مع المعطيات الحالية والمستقبلية، أو أنها لا تزال بحاجة لتغيرات جزئية أو تغيرات شاملة وجوهرية.. ومن هنا، ومن هذا كله، تكمن أهمية هذا العام أكثر من غيره من الأعوام، ويمكننا مجازا أن نسميه عام التجهيز والاستعداد للانطلاق للمستقبل.

المرحلة الحالية في السلطنة تمرُّ بمخاض عسير واستثنائي مُكبلا بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ فمرحلة اليوم ليس فيها من السنابل الخضر السمان والبحبوحة المالية ما يكفي لترحيل تحدياتها للمستقبل، بل إننا نمر بمرحلة السنابل اليابسة التي تتطلب من كلِّ الوزارات خاصة الخدمية منها فكرا ابتكاريا واقتصاديا يحقق وينتج ما يلي:

- "زيادة الانتاجية": بمعنى إن كانت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني على سبيل المثال تنجز 1000 معاملة يوميا، فعليها أن تفكر وتبتكر آليات وطرق لإنجاز 1300 معاملة يومية بنفس الإمكانيات المتاحة حاليا، وإن كان الموظف ينجز 20 معاملة، فكيف له أن ينجز 25 إلى 30 معاملة، وما ينطبق على الوزارة بشكل كامل، فإنه ينطبق على كل قسم ودائرة ومديرية، كل حسب الخدمة التي يقدمها، وما ينطبق على وزارة الإسكان، فإنه ينطبق على جميع الوحدات الحكومية الخدمية.

- "جودة خدمة المراجعين": أو ما يسمى بخدمة العملاء، والتي تعتبر علما وفنا ليس محصورا على موظفي الاستقبال فقط، وإنما يجب أن يكون جزءا من ثقافة جميع موظفي الوزارة؛ فخدمة العملاء لا تعني الابتسامة دون تنفيذ المعاملات بحرفية ونزاهة وسرعة وشفافية، تعني التعامل المهني والإنساني من لحظة وقوف سيارتك في المواقف المظللة الفسيحة إلى لحظة خروجك من هذه الجهة أو تلك، أو تواصلك الهاتفي أو الإلكتروني إلى لحظة انتهاء معاملتك، وأنت راضٍ سواءً كنت مواطنا أو مقيما أو زائرا، وبهذا يمكن ضمان معاملات إضافية ودخلا إضافيا لخزينة الدولة.

- "قيمة مضافة": مطلوب من رؤساء الوحدات الحاليين وكافة أجهزتهم التنفيذية تبنِّي الفكر الأستراتيجي، وأن يبتكروا في إيجاد قيم إضافية لكل معاملة؛ فالمراجع يستطيع أن يقارن بين ما كان يدفعه قبل العام 2014م من رسوم مالية وما بعد هذا التاريخ، ويستطيع أن يقارن بين مستوى الخدمة التي يحصل عليها قبل وبعد زيادة رسوم الخدمات الحكومية؛ لذلك فإنَّ أضعف الإيمان أن يصاحب هذه الزيادة في الرسوم تعويض برفع جودة الخدمات المقدمة له مع زيادة القيمة المضافة لهذه الخدمات.. على سبيل المثال: كتكامل حصول المراجع لسجل لنشاطه التجاري في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار مع باقي الوحدات التي لها علاقة بنشاطه التجاري وحصوله على عمالة وتراخيص صناعية وبيئية...وغيرها من معاملات بسرعة وبدون متاهات.

- "كفاءات بشرية": بمعنى توافر كفاءات بشرية مؤهلة تستطيع تحويل الأهداف المنشودة والمكتوبة إلى نتائج ملموسة، كما تستطيع تطوير الأرقام الحالية ومضاعفتها إلى أرقام قياسية.. كفاءات بشرية تستطيع الاستفادة من الحلول التقنية وربطها مع باقي الجهات الحكومية لتسهيل المعاملات الحكومية وضمان سرعة إنجازها، كفاءات مؤهلة تواكب التطورات المتسارعة من خلال تطوير الأنظمة والبرامج المالية والإدارية والتشريعية، ومرونتها مع المتغيرات والظروف المستجدة.

- "المسؤولية الجماعية": كثير من المواضيع متشابكة، والموافقة على تنفيذ كثير من المبادرات يحتاج موافقات من جهات مختلفة كحفر بئر في مزرعة أو إنشاء مصنع أو منتجع؛ ففي السابق كان يتم رمي المسؤولية من جهة إلى أخرى، ولكن مع الفكر والهياكل التنظيمية الحالية لابد من حصر هذه التعاملات المتشابكة، وإنجارها، وتحمل المسؤولية الجماعية من كافة الوزارات الخدمية، واستحداث دليل استرشادي سهل وممكن وواضح لمثل هذه المعاملات التي كانت معقدة لعقود من الزمن، وربط الإنجاز بخارطة مشتركة (Dash Board) توضح الجهة المنجِزة والجهة المعرقِلة لمثل هذه المعاملات المتشابكة، ومحاسبتها.

وفي ظل الظروف الصعبة الحالية ما على الحكومة إلا أن تتبنى الفكر الاقتصادي، بمعنى أنَّ كل معاملة مُنجَزة تعني فرصة عمل جديدة لمواطن، هذا المواطن يستطيع أن يبني ويصرف وينعش السوق.. كل معاملة منجزة تعني دخلا إضافيا لخزينة الدولة، تستطيع الدولة أن تحول العجوزات إلى فوائض مالية؛ وبالتالي تسطيع رفع جودة خدمات مواطنيها والمقيمين على أرضها من خدماتها الصحية والتعليمية والإسكانية والأمنية دون معاناة أو قروض داخلية أو خارجية.. فكر اقتصادي يحقق أهدافا إستراتيجية سياسية واجتماعية وأمنية دون منغصات.