خالد بن الصافي الحريبي
لا تزال القصص المُحيطة بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة كاللغز الذي يحتاج إلى تفسير. ومن القصص التي قد تفسر مثل هذه الاستقطابات الحادة التي ستُؤثر على العالم قصة بدأت منذ أكثر من مئة عام مع شاب نرويجي عشريني.
اسم هذا الشاب أبراهام فريدي، صادف أن أهداه جاره تذكرة سفر لم يستطع هذا الجار أن يستفيد منها. فشاء قدر أبراهام أن يُهاجر من بلدته البسيطة سعياً للرزق إلى بلدة بسيطة في الولايات المُتحدة الأمريكية وسرعان ما أصبح قساً يخطب عن عمل الخير ويحث الأغنياء على مُساعدة الفقراء ويتنقل مع أسرته بين كنائس ولايات بلده الجديد. إلا أنَّه في ثلاثينات القرن الماضي صدم بما لم يكن في الحسبان، فقد حلَّ بالناس "الكساد العظيم" واجتمع على غنيهم وفقيرهم غلاء المعيشة وبوار السلع والجوع والقلق فعمَّت تظاهرات الجائعين الغاضبين الشوارع. وفي خضم اضطرابات الكساد العظيم استنجد بعض قادة الصناعيين بالقس د. أبراهام لينقذ تجارتهم من غضب من ضاق بهم الحال، وخلصوا نجياً في اجتماعات صباحية يبدأونها دائماً بالصلاة ثم الإفطار إلى أن هناك حاجة إلى نظام عالمي جديد مبني على فكرة واحدة: إعلاء القادة الأقوياء أو "الملوك الذئاب The Wolf Kings" وتمكينهم من مناصب الدولة بما يضمن حماية قيم دين المسيح عيسى (عليه السلام)، حسب مُعتقداتهم. واستند القس د. أبراهام في فكرته هذه إلى حكاية نسبها كتاب التوراة والإنجيل لسيدنا داوود عليه السلام على أنَّه ملك قوي مكنه الرب على الرغم من أنَّه كان آثما حسب معتقداتهم.
وهكذا ومنذ العام 1935 تحول فكر هذا الشاب النرويجي البسيط د. أبراهام فريدي إلى قائد لمُنظمة مسيحية عالمية تسمى بالأخوية- The Fellowship، تبشر بهذا الفكر ضد العلمانية وضد الديمقراطية وساهمت في استقطاب الرئيس الأمريكي الحالي الـ45 لحوالي 73 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية.
لذا فإنِّه فهم توجهات القوى العظمى خلال المرحلة المُقبلة يدعونا لفهم: لماذا تؤثر فكرة "الملك الذئب" على البيت الأبيض والسياسة الخارجية الأمريكية؟ وما هي مظاهر تأثير هذا الفكر حول العالم؟ وكيف نفكر في خارطة طريق للتعامل معه؟
- الملك الذئب والبيت الأبيض
رحل القس د. أبراهام فريدي وخلف وراءه مُنظمة مؤمنة بنظام عالمي جديد يتبنى فكرة "الملك الذئب" وأنه على كل تابع حقيقي للمسيح أن يدعم، بكل ما آتاه الرب، القائد القوي القادر على ضبط وربط الحملان وإعلاء قيم المسيح وهزيمة الرعاع، حتى إن كان هذا القائد القوي آثماً ومحتالاً وزانياً ومستبدًا. ولا شيء يوضح لنا مدى قوة هذه المنظمة كتنظيمها "إفطار الصلاة الوطني أو The National Prayer Breakfast" الذي حرص كل الرؤساء الأمريكيين على المشاركة فيه منذ عهد دوايت آيزنهاور في العام 1953 وحتى عهد الرئيس الأمريكي الحالي الـ45، وتشهد مشاركة القادة المُحافظين المتدينين من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
ويكمن سر جاذبية هذه المنظمة لكل إدارة أمريكية في أنها تسهم في حشد التأييد ضد خصومهم في الداخل والخارج الذين تشن ضدهم حملات مُشتركة ويوسمون بأنهم اشتراكيون وفوضويون ومتآمرون على المسيح الناصري وأتباعه، ولا يستطيع أن يهزم هؤلاء الخصوم إلا من اختاره الرب ليكون القائد/الملك الذئب. وهذا يفسر لنا العداء الذي تناصبه الإدارة الحالية للعلمانية لأنها تنادي بفصل الدين عن الدولة، كما يفسر لنا عداءها للديمقراطية لأنها قد تتيح لمن تراهم رعاعًا لأن يكون لهم صوت مُؤثر في المجتمع.
التحدي الحقيقي الذي يواجه الرئيس الـ46 أنه أقرب للعلمانية والديمقراطية مما سيدفعه لاتخاذ مواقف تجعله يبدو أقوى في إعلاء قيم المسيح الناصري، كأن يهمش زملاؤه التقدميين في الحزب الديمقراطي الموسومين بأنهم اشتراكيين داخلياً، أو أن يهاجم دولة غير قادرة على الرد أو مسلمة خارجياً.
- كيف نفكر في خارطة طريق للتعامل مع تأثير هذا الفكر حول العالم؟
تُشير بيانات "استبيان قيم العالم" لجامعة هارفرد الأمريكية حول التوجهات والمعتقدات في 100 دولة حول العالم إلى أنَّه خلال الخمسين عاماً الأخيرة حقق قادة شعبويون سلطويون مكاسب تدريجيا، تتمثل في حقائب تشريعية وتنفيذية وزارية على: سبيل المثال لا الحصر، في كل من: بريطانيا وفرنسا والنمسا وألمانيا والدنمارك والسويد والمجر واليونان، وعزتها لردة فعل متعصبة ضد العلمانية والديمقراطية والحريات الشخصية.
وعليه.. فإنِّه وإن برزت هنا وهناك قوى أكثر مالا وأعز نفرا فقد تكون ظالمة لنفسها، وخارطة الطريق في التعامل معها ومع نبتة التعصب والتطرف والتحزب السامة فعلينا التعامل معها بالتي هي أحسن وبقوة وحزم من منطلق الإيمان الراسخ بأنَّ الله سبحانه وتعالى استخلف الإنسان التقي لأنه الأكرم عنده، ولم يثبت في تاريخ الأمم التي خلت أنه سبحانه وتعالى استخلف القيادات التي تستذئب على خلقه.