قصة قصيرة

صومعة الموت

طفول سالم

ظنت أنها نسيت تلك اللحظة عندما غادرتها الإرادة وتركتها في غرفة معتمة؛ تحاصرها الآلام والآهات دون توقف؛ كان يوما مشؤوما عندما وجدوها ترتجف، في زاوية قذرة في إحدى البيوت المهجورة، تحولت عيناها إلي بياض، كانت في حالة انتشاء وشفتاها قرمزيتان تخلوان من الحياة، وجسدها يحاول أن ينتفض ليلفظ تلك السموم التي غرزتها بأناملها في شرايينها، أسعفها بعض المارة عندما سمعوا عواء روحها وهي تستغيث.

وصلت إلي المستشفى؛ وكانت في حالة حرجة جدا، لم يجدوا ما يستدلوا به على اسمها او نوع دمها أو على ما أصابها، وقفت الممرضات حائرات لهول ما هي عليه كانت تنازع الموت، كانت أسنانها تصطك بعنف كان جسدها يتصلب تارة و يرتجف تاره كأن الروح قد سُلبت منه. وصل الدكتور وأمسك يدها فصفعت عينيه صفعة كأنما سددها له ملاكم محترف أفقدته توازنه على حين غرة،  فأسرعت الممرضات بربط ذراعيها في محاولة لتثبيتها.

صرخت بصوت اهتزت له جدران المستشفى كأنها حيوان مفترس قد فك من عقاله. أمسك الطبيب رأسه محاولا الوقوف، كان يترنح لهول ما حل به؛ هزت ذراعه إحدى الممرضات وأسندته على كرسي عساه يستريح قليلا وسألته مذعورة: هل تسمعني؟ هل أنت بخير؟ رفع رأسه إليها بعينين متورمتين وأومأ بيده بأنه لا يرى شيئا ماذا حصل؟

أخذت الممرضة آله إضاءة ووجهت الضوء إلى عيني الطبيب اللتين شابَتهُما حمرة ومُزج أبيضهما بدماء قانية، فذعرت لهول ما رأت؛ لكنها حاولت أن تسيطر على خوفها فقالت له: لا بأس سوف أضع لك كمادات لتهدأ قليلا.

أومأت لإحدى الممرضات بأن تمسك رأس الطبيب الذي أخذ يتخبط هو الأخر في الغرفة ويصرخ بأعلى صوته، فقد اجتاحته نوبة خوف مروعة، أسرعت الممرضة بإعطائه مهدئا وامسكه بعض الممرضين وأخذوه لغرفة الطوارئ واستدعوا بعضا من زملائه الأطباء لتشخيصه.

تركوا المريضة مربوطة تنازع أنفاسها دون حراك، تلهث ولا تعلم ما سيحل بها. بقيت هناك في آخر الممر، تفتش عن أمل يعيدها إلى الحياة، ‏لا تملك الآن سوى ظل الذي تسمع نحيبه خلفها؛ ‏ليت بوسعه أن يرجعها إلى حضن أمها لتعانق مخدعها القديم.

حينما تذهب يناديها العالم على شفا حفرة ويلوح الموت لها في القاع، تضم قلبها المذعور‏، وتناجيهِ: "ياقلبي المذعور توقف عن الارتعاش؛ لقد أنهكنا البحث عن سبيل الخلاص، هيا إلى صومعة الصمت وأسكن العتمة بالنور ثم أمض بلا تعبِ".

لساعات لم يعرها أحد اهتماما، فالجميع يساند الطبيب الذي فقد بصره  بلكمه وجهتها له دون وعي منها. هوى معاها ‏كالذي هوى من أعلى المنحدر ليعرف الجميع  في لحظتها أنه انتهى!

ولكن ما زال يبحث عن نجاة أخذوه بعيدا، وبقيت هناك في غرفة معتمة باردة، تصارع خيبة كل الفصول لوحدها. وتناثرت كل محاولاتها بالفشل عندما حاولت الفكاك، سقطت على قاع الأرض معانقة صومعة الموت لتنتهي هامدة.

تعليق عبر الفيس بوك