عيد بلا قابوس

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

 

تعودت عُمان طيلة 49 عامًا مضت أن تحتفل بشهر نوفمبر من بدايته وحتى نهايته، وتعم الأفراح في جميع أرجاء البلاد من شمالها إلى جنوبها ابتهاجاً بالعيد الوطني المجيد الذي يُوافق الثامن عشر من نوفمبر من كل عام، وهو اليوم الذي ينتظره العُمانيون بكل فرح وسرور.

هذا العيد الذي يحتفي فيه المُواطن العُماني بالإنجازات التي تحققت على أرض السَّلطنة منذ أن تولى المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- مقاليد الحكم في عُمان في الثالث والعشرين من يوليو 1970.

خمسون سنة مضت والبلاد من تطور إلى تطور، وتأتي احتفالات هذا العام وفي النفوس غصَّة، إذ إننا سنحتفل باليوبيل الذهبي لمسيرة النَّهضة المُباركة وقائد هذه المسيرة تحت الأرض.

ويذكرني هذا العيد بالعيد الوطني الرابع والأربعين الذي غاب عنه السلطان قابوس- طيب الله ثراه- لتواجده آنذاك في ألمانيا لتلقي العلاج، وما زالت كلماته- رحمه الله- يتردد صداها في أذني بصوته المبحوح في الكلمة التي ألقاها جلالته في الخامس من نوفمبر من عام 2014م حين قال رحمه الله "وإنِّه يسرنا أن نوجه إليكم جميعاً التهنئة بهذه المُناسبة السعيدة التي شاءت الإرادة الإلهية أن تتزامن هذا العام ونحن خارج الوطن العزيز للأسباب التي تعلمونها والتي ولله الفضل أن هيأ لنا من النتائج الجيدة ما يتطلب منِّا متابعتها حسب البرنامج الطبي خلال الفترة القادمة، مُعبرين عن سرورنا العميق وشكرنا البالغ على ما أبديتموه وتبدونه من مشاعر صادقة ودعوات مُخلصة والله العلي القدير ندعو أن يحفظكم أبناء عُمان المُخلصين ويرعاكم كراماً أوفياء".

تلك الكلمات كانت بمثابة البلسم للشعب العماني بعد انقطاع طويل عن الظهور دام لعدة أشهر، وكان الشعب يضع يده على قلبه انتظاراً لسماع أخبار سارة عن جلالته، رافعاً أكف الضراعة إلى الله تعالى أن يمن بالصحة والعافية عليه رحمه الله. وكان السلطان الراحل- طيب الله ثراه- قد استهل كلمته تلك بالتذكير بالمسيرة الظافرة للنَّهضة المباركة التي تسير وفق الثوابت التي أرسى دعائمها جلالته رحمه الله، وأقتبس جانباً من خطاب جلالته حين قال: "بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا مُحمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أيها المواطنون الأعزاء... إنِّه لمن دواعي سرورنا أن نحييكم وبلدنا العزيز في هذه الأيام المُباركة على مشارف الذكرى الرابعة والأربعين لمسيرة نهضته الظافرة التي تسير وفق الثوابت التي أرسينا دعائمها منذ اليوم الأول لنا وإننا لنحمد الله عزَّ وجلَّ ونشكره ونثنى عليه على ما يسر لنا من رشد وصلاح للأخذ بهذه المسيرة نحو دولة عصرية راسخة الأركان ماضية بكل عزيمة نحو مُستقبل مُشرق واعد من التطور والنماء".

وإن غاب السلطان قابوس- طيب الله ثراه- فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد قيَّض لنا من يحمل راية عُمان من بعده بكل أمانة ووفاء وإخلاص؛ فحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- قد خطَّ بيده الكريمة ملامح المرحلة القادمة لنهضة عُمان مقتفياً خطى السلطان الراحل كما جاء في خطاب جلالته الأول الذي ألقاه في العاشر من شهر يناير الماضي.

وخير شاهد للعهد الذي قطعه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- على نفسه بأن ثبت الثامن عشر من نوفمبر هو اليوم الوطني للبلاد، وقد كان الكثيرون يعتقدون أنَّ العيد الوطني سوف يتغيَّر، خاصة وأنَّ الثامن عشر من نوفمبر هو ميلاد السلطان قابوس- رحمه الله- وليس يوم توليه مقاليد الحكم في البلاد والذي يُصادف الثالث والعشرون من يوليو.

فالوفاء والإخلاص للفقيد الراحل من القيم العظيمة التي يجسدها جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله- يوماً بعد يوم حقيقة على أرض الواقع.

حفظ الله جلالته ومتَّعه بوافر الصحة والعافية أعواماً عديدة، وغفر الله للسلطان قابوس بن سعيد وأسكنه الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء، إنِّه سميع عليم مُجيب الدعاء.