صناعة الفرص الاقتصادية

فايزة بنت سويلم الكلبانية

اليوم يكاد أغلب الدول بمختلف تصنيفاتها لا تخلو من التحديات التي لحقت بها من جراء انتشار فيروس كورونا على مدار الأشهر الماضية، والتي أدت بدورها إلى تفاقم التأثيرات الاقتصادية، ما فرض على القائمين على إدارة القطاعين الحكومي والخاص وواضعي الاستراتيجيات والدراسات، الإسراع في البحث عن بدائل للاستمرار في الأعمال وتوفير سبل الحياة الكريمة وتقليل الخسائر ومعالجتها.

وهذا الواقع الذي نعيشه الآن يدفعنا لتطبيق مقولة "من رحم المعاناة نصنع الفرص"، ولذا علينا الإسراع نحو التحول الرقمي والتقني في الدراسة عن بعد، وتخليص وإدارة الأعمال إلكترونيا، ويساعدنا في ذلك ظهور العديد من الابتكارات والمنصات التقنية الناشئة التي خلقت بدورها فرص توظيف لكثير من الباحثين عن عمل من أصحاب المهارات التقنية، ومن ثم قامت الجهات المعنية بالعمل على تعزيز ودعم مهاراتهم، إلى جانب إعادة النظر في بدائل لتسريع الاعمال وتغيير الاستراتيجيات وفقا لمتطلبات المرحلة.

وفيما يتعلق باقتناص الفرص، أشير إلى ما نشره المنتدى الاقتصادي العالمي، عندما أجرى استطلاعا للرأي لعدد 40 خبيرا اقتصاديا حول الحلول المقترحة لتعافي الاقتصاد والتصدي لتبعات انتشار جائحة كورونا، وأكد المشاركون في الاستطلاع أن التحديات التي تواجه قادة ورؤساء قطاع الأعمال الخاصة والعامة تتمحور في 3 تحديات أساسية؛ لا بُد من العمل على إيجاد فرص وحلول لها، وتتمثل هذه التحديات في: تحديد مصادر جديدة للنمو الاقتصادي، إلى جانب إعادة صياغة السياسة الاقتصادية للحد من التأثيرات الاقتصادية وتحسين الحراك الاجتماعي، ومواءمة الأهداف الجديدة مع الأداء الاقتصادي.

هذه التحديات يجب أن تفرض علينا مزيدا من التفاؤل، فالاستسلام للتشاؤم يقودنا إلى المجهول لا قدر الله. وما نراه أن الجميع يجتهد لخلق الفرص والأمل والتغلب على تحديات كورونا وتبعات الأزمة. لذا علينا أن نتحلى بالصبر والقبول للكثير من القرارات التي قد نتفاجأ بها للمساهمة في التعافي الاقتصادي للبلاد، واستمرار سبل الحياة الأساسية وضمان عدم تراجع الدخل أو تغير أوضاعنا الاقتصادية، ومحاولة الاحتفاظ الوضع الراهن في صورته.

نعم من الصعب علينا تقبل رسوم أو ضرائب أو غيرها، لكننا لا بُد أن نستمر ونساهم في بناء الوطن، مهما كانت الاعتراضات والاختلاف في وجهات النظر، كي نضمن الخروج من هذه المرحلة بأقل الخسائر، وأن نكون شركاء في التنمية من أجل أن نضمن توفر فرص العمل للباحثين عن عمل، عبر زيادة الاستثمارات والمشاريع ومواصلة العمل لاحتواء تداعيات الأزمات.

لا يجب أن نكتفي بأن "نلعن الظلام"، ولا نحرك ساكنا، وفي المقابل، علينا أن ننظر بإيجابية، فقد تكون هذه الأزمة العالمية فرصة للتحول السريع ومواكبة التطور الحاصل في قطاع تقنية المعلومات.

اليوم.. لا بُد أن يكون هناك انتعاش لسوق الأسهم وصولا لمؤشرات التعافي المتفاوتة التي تشهدها الأسواق المالية محليا وعالميا، وتشجيع دخول المستثمرين، كما يتعين إيجاد الحلول لمعالجة التفاوت الاقتصادي لا سيما أنه تزايد مع انتشار كورونا، ويكاد يكون قد خرج عن السيطرة.

وعلى الرغم من أننا جميعا لا نحبذ فرض الضرائب وزيادة الرسوم، لكنها مع الأسف "شر لا مفر منه"، خاصة أن الأغلبية يعانون من أزمات مالية، كما إن توقيت فرضها صعب للغاية على الجميع سواء على الباحثين عن عمل أو من فقد وظيفته بسبب كورونا أو حتى العاملين في القطاع الخاص أو قطاع ريادة الأعمال ممن تراجع دخلهم، إلا أن المؤكد أن الضرائب تسهم بدور مهم للغاية في النمو الاقتصادي لأي بلد لمواجهة العجز المالي.

ولذلك وجدنا بعض الخبراء يقترحون تفعيل "اتفاقية دولية" لفرض ضرائب على الأنشطة الرقمية، وهذا في حد ذاته بحاجة لدراسة مقننة ومتقنة.

والبعض يتساءل: لماذا عملت السلطنة على فرض ضريبة القيمة المضافة والإعلان عن تفاصيلها في ظل أنه كان من الأولى أن يتم فرض ضريبة الدخل أولا أسوة بالدول الأخرى التي تفرض ضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة.

اليوم أيضا لا بُد لنا من بذل المزيد من الاهتمام لتشجيع الابتكار، والاستثمار في رأس المال البشري، كون الابتكارات من المحركات الرئيسية للاقتصاد طويل المدى، مع استمرار دور القائمين على دعم قطاع التقنية والابتكار والتطور التكنولوجي ووضع استراتيجيات الاستثمار فيه من حماية ما تم إنجازه في هذا القطاع والسعي لضمان استدامته واستمرارية الدعم له حتى لا تطاله تبعات وتأثيرات جائحة كورونا أو التعرض لأي خسائر تهدد قطاع البحث والتطوير والابتكار، مثلما شهد قطاع ريادة الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خسائر وإغلاق البعض الآخر للأنشطة.

ختاما.. لا بد من صناعة الفرص الاقتصادية، وهذا لن يتأتى إلا إذا وظفنا جميع الطاقات والإمكانيات، وأن نعمل جاهدين على تجاوز الوضع الحالي، من خلال تكاتف الجهود، والثقة بأن حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- تولي المواطن الرعاية التامة من أجل أن يحيا حياة كريمة.