الشاهد العملاق

جيهان رافع

لطالما وقفت كلماتي بانحناءٍ أمام معالم عملاقة تحدث شموخها عمّا أورثته للتاريخ العُماني عبر زمنٍ تألقت سنونه تباهي به، هذا التراث الذي لا تضاهيه معالم الدهشة على وجه الطبيعة والبشر عندما تنظر إليه وتتعمق في سموه.

في مثل هذا اليوم الثاني عشر من أكتوبر عام 2011 تزيّنت العاصمة العُمانية مسقط بأهم شاهد عملاق على عراقة تاريخها وإبداع قائدها آنذاك نعم إنها دار الأوبرا السلطانية التي أمرَ ببنائها السلطان قابوس -طيّب الله ثراه- في عام 2001 حيث تمَّ البدء بالبناء في عام 2007 وأُزيح الستار عن أجمل وجه للتقدم والازدهار الذي كان يتصدر الدهشة الأولى على أرض الخليج العربي والجزيرة العربية فقد كان من النَّادر توقع إشادة هذا المعلم الضخم بهذه الحرفية والمساحة وحيث يعكس هيبة الفنون المعمارية العُمانية الحديثة ليكون الأول من البداية إلى النهاية.

تُحفة ماسيّة قُدمَت للفن وللتخليد كهدية تمرّ عليها السنون فتصقل جمالها لتبرق وتسطع أكثر فأكثر بُنيت من ثمانية طوابق ثلاثة تحت الأرض والخمسة الباقية فوقها يتمدد هذا الصرح مُفاخرًا بنفسه من الشمال إلى الجنوب حيث يشمخ في داخل رواقيه أعمدة تقف بخطٍ متوازٍ من الشرق والغرب أمّا عن مساحة الأرض التي بُنيت عليها فهي تبلغ ثمانين ألف متر مربع ومساحة المبنى ما يُقارب خمسة وعشرين ألف متر مربع وهو بناء لديه القدرة على استيعاب 1100 شخص أو أكثر.

مبنى دار الأوبرا السلطانية مُؤلف من: المسرح العملاق للحفلات وتقديم العروض الفنية والثقافية والذي امتاز بجمالية زخارفه واستخدام الشاشات التفاعلية في المقاعد وأحدث تقنيات الإنارة والصوت، وقاعة ضخمة فخمة للمُؤتمرات والمحاضرات والندوات، ومركز للإنتاج الفني والموسيقي والمسرحي وعروض الأوبرا العالمية والعربية، وحدائق جمعت في دلالة أصالتها بين الطراز الأندلسي والإسلامي والغربي، ومحلات تجارية مُتعددة الاستخدامات.

تميزت دار الأوبرا السلطانية منذ الافتتاح بتقديم أقوى العروض العالمية منها بوتشيلي وبوتشيني وروبرتو آلانيا وأيضًا عدة عروض أوبرالية شهيرة مثل أوبرا عايدة وتميزت جدًا بوجود آرغن وهو أثقل آلة آرغن متحرك في العالم حيث يزن خمسمائة طن ويتم تحريكه على سكة حديدية طولها عشرين مترًا وهي آلة نادرة الوجود وأُشيرَ إلى أنَّه لا يمتلكها سوى بعض الكاتدرائيات الكبرى في العالم وأنها موجودة منذ عهد الفراعنة ويعتبر عهد الباروك من 1600 إلى 750 العهد الذهبي لآلة الآرغن إذ انتشرت في الكنائس وفي القصور الأرسقراطية وتجدد عهدها مع ظهور السينما الصامتة لأنها تقوم بتقديم موسيقى تحتاج إلى أوركسترا كاملة لتعزفها.

كما أنَّ الآلات الموسيقية الموجودة في الممرات تُعد هدايا من السُّلطان قابوس - طيّب الله ثراه- وقد انضمت الآن إلى الموروث الثقافي الموسيقي العُماني المُنفتح على لغة الجمال والرقي والمُدمج مع العالم بُحللٍ تزينه وتأصّله اللمسات التراثية العمانية لتبقى دار الأوبرا السلطانية على مر الزمن الشاهد العملاق على التراث العُماني بكامل الدهشة.