حكومة الكفاءات ولاؤها للوطن أصدق

 

حمد بن سالم العلوي

 

إنَّ الحكومات السابقة التي تعاقبت على تولي زمام الأمور في السلطنة قبل الحكومة الحالية، لم تكن كلها من أهل الكفاءات، وإنِّما جُلها كان من أصحاب الولاءات، فكانت قُدراتهم ضعيفة الكفاءة، وجرأتهم على الإبداع مُتواضعة، والأمر الأخطر في ذلك مسؤولياتهم الكبيرة، لأنهم كانوا يتولون مرافق هامة وحساسة، فقد أثّر وجودهم سلباً على الجهات التي وُلّوا عليها، وهنا كان مكمن الخطورة عندما يكون الولاء للشخص لا للوطن، فيكون ذلك المسؤول مُعطلاً لا مطوراً، وأصبح يمثل موطن ضعف، فيسبب هزالا وتآكلا في الهرم الوظيفي لتلك الجهة، وكذلك تفرعاتها الإدارية، فتبدأ بالضمور والخمول والتَّراجع إلى الوراء.

إذن يُصبح المسؤول المتكئ على مجرد الخنوع والطاعة، مسلوب القدرة والقوة، وضعيف القيادة والإدارة والإرادة، وإنما يعتمد في إدارته على العنتريات الشكلية والجوفاء، ولأنه ضعيف الإرادة وقليل الحيلة، فإنِّه يقع فريسة للصوص والفاسدين والنمَّامين، فيستغلونه لمصالحهم الشخصية، وليس هذا فحسب، وإنما سيُوقِعون به في حبائل خبثهم، وذلك ليكون مطواعاً لرغباتهم الخبيثة، فيزينون له سوء أعمالهم، حتى يكون واحداً منهم بمرور الأيام، والضعيف لا يفوّض شيئاً من اختصاصاته لأنها مصدر قوته، ولأنه يفتقد إلى القدرة على التوجيه والإشراف والمُحاسبة، فيبقي السلطات كلها في يده ليفرض بها احترامه بإخافة المرؤوسين وإرهابهم.

أما أصحاب الكفاءات العلمية والقدرات العملية، فإنِّهم الأجدر بتولي المهام الصعاب، لأنهم لولا قدراتهم الذهنية والفكرية لمَا نجحوا في دراستهم الأكاديمية أولاً، فلذلك اكتسبوا الكفاءة بالعلم والمُمارسة العملية، وتميزوا في العمل، لأنهم كانوا أكبر من الوظيفة، وإن توليهم للمناصب القيادية، سوف يمنحهم القدرة على دعم إداراتهم بحكمة واقتدار، وسيعملون على توزيع المسؤوليات والاختصاصات، وسيكونون أكثر جرأة على القرارات الهامة، وعلى التفويض من بعض مهامهم للمرؤوسين، وسيبقون لأنفسهم زمام القيادة من حيث التوجيه والإشراف، والمُساءلة والمحاسبة والمكافأة والعقاب متى لزم الأمر.

وإن من المأمول فيه، أن يقوم وزراء العهد الجديد، بتنشئة أجيال واعدة من قادة المُستقبل، وأنهم سيلزمون المرؤوسين الحاليين بتحليل المهام الوظيفية، وأن ينشئوا عهدا جديدا في العمل، يكون عماده الفهم والاستيعاب، لأنَّ الموظف الذي يعجز عن تحليل المهمة الموكلة إليه، يكون عاجزاً عن اتخاذ القرار المناسب حيالها، وسيُعرقل تنفيذ عمله اليومي، وسيظل خائفاً متردداً حتى لا يقع في الأخطاء، لذلك يلجأ إلى التأجيل والمُماطلة، إذن وجب تأهيلهم وتطوير أدائهم، كما تمَّ تأهيلكم أنتم من خلال ندوات وتمارين تطبيقية، وذلك من خلال ورش عمل طبيعية، فيجب أن يطبَّق ذلك على جميع الموظفين، وأن يشمل كافة المستويات الوظيفية، لكي نضمن النجاح للرؤية المُستقبلية 2040 وإلا سيضيع كل الجهد هباءً منثوراً.

إذن فالمسؤول القيادي، لن يحتكر كل شيء في يده، فذلك ليس من شيم الكبار، فالكبير بشخصه ينظر إلى مصلحة الوطن على كل مصلحة أخرى أقل مرتبة، والمسؤول الكبير يتواضع لأنَّه لا يكبر على الوطن، ولا يطفِّش الكفاءات من الموظفين خوفاً على كرسيه، ولا يُنسب جهود الغير إلى ذاته، فهذا أسلوب قمعي قد اتبعه البعض من أجل البقاء، ولم يبق إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام، ويبقى العمل الطيب يذكر به صاحبه، لذلك ستكون حكومة الكفاءات الأكثر إخلاصاً للوطن، حتى لو لم يقوس المسؤول ظهره خنوعاً أمام رئيسه، فقد ثبت بالتجربة إن المقوسين أمام المسؤول، يفعلون أمام الله والوطن عكس ذلك، للأسف الشديد وهناك شواهد.

لقد أبلغني أحد الأشخاص بمعلومة في التطوير والتأهيل، فهي تجربة جيدة في التأهيل والتدريب على رأس العمل، وكان ذلك في شرطة عُمان السلطانية، وذلك بفكر نير من الفريق أول/ سعيد بن راشد الكلباني المفتش العام للشرطة والجمارك "آنذاك" فقد قرر أن يُنشئ صفاً ثالثاً مُؤهلاً من القادة، فشكل لهم فريق تدريب مُؤهل، واختار مجموعة من 24 ضابطاً برتب مُناسبة، فادخلهم في برنامج أطلق عليه التأهيل والتطوير، ورُسمت لهذا البرنامج فترة تمتد إلى ثلاث سنوات قادمة، بحيث تقسم مراحل التدريب إلى خمسة مستويات، فبين كل مستوى وآخر مرحلة تطبيق، فيأتي كل ضابط بتقرير مُفصل يقدمه في مطلع المرحلة التالية، في نقاش علمي أكاديمي قيادي، يبين في التقرير معضلات التطبيق، وكيف استطاع أن يتغلب على تلك المُعضلات؟ وقد أخبرني هذا الصديق أنَّ الفريق أول الكلباني وجه بأن يكون النقاش في الفترة المسائية، لكي يستطيع حضور النقاش، متذرعاً برغبته في الاستفادة من النقاش، ولكن هذا الصديق علَّق على ذلك بالقول؛ إنِّه بغض النظر عن الاستفادة، فإنِّه كان يقصد تقييم قدرات الضباط من خلال أسلوب المناقشة.

إنِّه من المُهم بمكان، أن أذكر هنا للاستفادة المراحل الخمس في التطوير والتأهيل، التي برزت فترة ثم ذهبت مع أصحابها، وأذكرها هنا ولو باختصار للمنفعة العامة، وهي على النحو التالي: المرحلة الأولى: "تشخيص وتحليل الأداء" وهذا يتحقق بإيجاد كفاءات بشرية قادرة على التحليل والتفكير بدقة ووضوح، وإعطاء القائمين على الأداء رؤية واضحة لتحديد طرق التأقلم في مُواجهة المُتغيرات، وإجراء مراجعة شاملة للإجراءات والنظم بهدف القضاء على الروتين، أما المرحلة الثانية: فهي "التفويض" ويتحقق ذلك ببيان الرؤية المستقبلية لكل فرد في المجموعة، أما المرحلة الثالثة: "الإشراف الإداري والتطوير" ثم المرحلة الرابعة: "التفكير الإبداعي" بهدف حل المشكلات واتخاذ القرارات، أما المرحلة الخامسة والأخيرة: "وضع الاستراتيجيات" وذلك بالنظر إلى المستقبل واحتياجات المرحلة، وبهذا التأهيل تصبح القيادات في العمل، مؤهلة لإدارة العمل وفق أسس علمية مجربة، فلا مُفاجآت في محيط العمل، عندما يكون كل إشكالية متوقعة قد رسم لها خطة لمُواجهتها، فعندئذ لن تترك فرصة للأزمات بتوجيه الناس كما تشاء، أي أن تتولى الأزمة إدارة الناس في حالة انعدام التأهيل والتخطيط والتأهيل المستمر.