أطفال التوحد والتعلم في الطبيعة

سلمى بنت علي العلوية *

يعدُّ اضطراب التوحُّد من أكثر الاضطرابات النمائية انتشارا وغموضا في المجتمعات في مختلف دول العالم، ويُعرف هذا الاضطراب بأنه اضطراب نمائي، يظهر في السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل، ويؤدي إلى عجز في التواصل الاجتماعي واللغوي، مصاحبا لفرط النشاط والحركة ونقص الانتباه والتركيز.

ومما يزيد الأمر سوءا عدم وجود علاجات طبية تعالج هذا الاضطراب الذي يعاني منه هؤلاء الأطفال، وفي حالة وجود مهدئات للأعراض المصاحبة له، فإنَّ غالبها يكون ذا آثار جانبية.

ومن هذا المنطلق، أصبح لزاما علينا نحن الباحثين في المجال التربوي التعاون مع التخصصات الأخرى النفسية والطبية للبحث عن حلول تخفف من حدة هذه الأعراض لدى أطفال التوحد، ومن منطلق دراستي الحالية في مرحلة الدكتوراه في موضوع التعلم في الطبيعة، وبعد اطلاعي العميق على العديد من الدراسات والبحوث العلمية التي أجريت في هذا المجال، تبين لي أنَّ أغلب الدراسات التي أجريت وفق هذا المدخل كانت تتجه نحو أهميته لأطفال ذوي الإعاقة بشكل عام وأطفال التوحد بشكل خاص، ومما يؤكد لي أهمية هذا الموضوع التطبيق العملي بتوظيف المدخل والذي قمت به لدى طفل توحدي يبلغ من العمر (10 سنوات) وفق آلية وخطة تدريبية منظمة ومخطط لها عبر أنشطة خاصة وتصميم بيئة طبيعية معينة تتناسب مع خصائصه وبالفعل كانت النتائج إيجابية، وتحسنت لديه العديد من الاضطرابات السلوكية كاضطراب النوم، وفرط الحركة والنشاط، والاضطراب الاجتماعي والكثير من الأعراض التي كانت تؤرق وترهق الطفل ووالديه في ذات الوقت.

ويعرف مدخل التعلم في الطبيعة على أنه المدخل الذي يتم تنفيذه خارج أبواب الغرف الصفية في مراكز التأهيل أو خارج أبواب المنزل أو في داخلها في الفناءات المصممة والمعدة إعدادا جيدا كتوظيف الحديقة في فناء المركز أو المنزل أو الخروج في نزهة إلى الطبيعة كالشواطئ والمزارع وحدائق الحيوانات وغيرها من البيئات الطبيعية، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة شروط السلامة والاستعداد اللازم للخروج برفقة ولي الأمر أو إخصائي متعاون.

علاوة على ذلك، فإنَّ فناءات مراكز تأهيل أطفال التوحد تعدُّ من أهم المساحات التي يمكن استغلالها في هذا المجال؛ حيث إنَّ تكييف المساحة بعناصر مناسبة للطفل التوحدي من شأنه أن يُحقق له العديد من الفوائد التي ستعمل بشكل دقيق على التخفيف من حدة الأعراض لدى طفل التوحد، والتي سيلاحظ الإخصائي وولي الأمر فوائدها على الطفل بعد فترة من التوظيف، ومن هذه العناصر التي يتطلب توفيرها للطفل التوحدي عمل أحواض سباحة بمواصفات السلامة، وأحواض الرمل الناعم التي من شأنها أن تنمي النقص الحسي لدى الطفل، وتزويد الحديقة ببعض الحيوانات الأليفة، لاسيما وأنَّ الدراسات أثبتت قابلية الطفل التوحدي للتأقلم مع هذه الكائنات الحية، وكذلك عمل مكان مخصص للخيل وتدريب الطفل على ركوبه لمدة لا تتجاوز نصف الساعة كل يوم... وغيرها الكثير. وأجزم بأن كل هذه الأفكار من الممكن أن تطور من وضع الطفل التوحدي وتُحسِّن سلوكاته.

ومن هذا المنطلق، نأمل في الفترة المقبلة من إخصائيي التوحد وأولياء أمور أطفال التوحد الالتفات لهذا المدخل، وتدريب أطفال التوحد وفق أنشطة مكيفة ومعدة إعدادا دقيقا؛ بحيث تدفع بالطفل التوحدي إلى الاندماج في مجتمعه كبقية أقرانه الأطفال العاديين، وتحقيق تطورات في المجالات التعليمية والاجتماعية والنفسية.

ويواجه توظيف مدخل التعلم في الطبيعة العديد من التحديات؛ أبرزها: نقص الحدائق في فناءات المراكز التأهيلية والمصممة بطريقة تناسب أطفال التوحد وخصائصهم، علاوة على التكلفة المادية التي يتطلبها تصميم الفناءات الخارجية، وصعوبة الحصول على الموافقات لتنفيذ الرحلات الخارجية خارج المركز التأهيلي؛ سواء من قبل الجهات الرسمية المعنية بمتابعة مراكز التأهيل أو أولياء أمور أطفال التوحد أنفسهم.

وفي ظل هذه التحديات اللوجستية التي يواجهها توظيف المدخل في تدريب وتأهيل أطفال التوحد، نأمل من المسؤولين والمعنيين في وزارة التنمية الاجتماعية أن يذللوا هذه التحديات والعقبات التي تسهل توظيفه الفترة المقبلة أملا في أن يجد أطفال التوحد أحد جسور العبور إلى بر الأمان.

* باحثة دكتوراة - كلية التربية جامعة السلطان قابوس