سبحات الخليج

 

غسان الشهابي

لن تكون هناك ذريعة لأكتب بها هذا اليوم أكثر من هذا الاختراق الذي لطالما كان مُؤجَّلاً من قبل الكيان المحتل إلى منطقة الخليج العربي، وبالتحديد في شاطئه الغربي، حيث أعلن عن "سلام" أقيم في مقابل شيء مُبهم عن ضمِّ الضفة، وهذا ما لم يصرِّح به رئيس وزراء العدو، ولكن هذه هي الحجَّة.

والإمارات العربية المتحدة الشقيقة ليست الدولة الأولى عربيًّا التي تعقد سلاماً مع الكيان، وإن كانت الدول التي سبقتها ذات حروب وحدود مع كيان العدو، وليست الدولة الأولى إسلاميًّا التي تقيم علاقات دبلوماسية مع العدو، فلقد سبقتها في هذا بضع دول، صحيح أنها لم تستفد شيئاً مباشراً من هذه العلاقات، إلا أنها اتّقت جانباً من التنمّر الأمريكي. وليست أيضاً الوحيدة خليجيًّا، فالمتدافعون على "باب السلام" الأرضي تعددوا، ويُنتظر بعد حين أن تعلن بعض الدول ختم صكوك مشابهة، ربما لأنها تعبت من اللعب في الخفاء لما يحتاجه ذلك من طاقة عالية للحذر والتخفي، وطاقة أعلى للتبرير فيما لو تم تسريب علاقة أو لقاء أو اجتماع، والتسريب لا يأتي إلا من جانب العدو، ليضعوا هذه الأنظمة في حرج أمام شعوبها، ومرّة تلو الأخرى ستخفت نوبات الغضب، ويقل وقع المفاجأة، ويتم تجاوز الصدمة، حتى نصل إلى اعتباره أمرًا اعتياديًّا "مؤسفاً" ليس أكثر.

وسواءً ما تم توقيعه أو ما سيوقَّع؛ فليس من اللائق أن يجري تسويقه على أنه سلام وكأننا في هذه المنطقة كنا في "حرب" ذات يوم. نعم كُنا في حالة عداء، لكننا لا نضير هذا الكيان شيئاً، ويفترض أنه أيضا لا يضيرنا، نهتف من بعيد، نندِّد من بعيد، نشجب من بعيد، ندين في الأمم المتحدة، أي من بعيد، وإذا وصل الأمر مداه، وبالغ الصهاينة في العربدة، أرسلنا بضع دراهم ودنانير من أجل إراحة ضمائرنا بأننا فعلنا شيئاً من أجل أرضنا ومقدساتنا.

وحتى هذه الأفعال اللينة لم يستطع الصهاينة ازدراءها، فأبوا إلا أن يكون اللعب على المكشوف، والمرور من وإلى هذه البلاد من المألوف، ولا ندري إلى أين ستتردَّى الحال لنرى نهايات هذه الأوضاع، إن كانت لها نهايات.

وإذا كانت المرتكزات في الماضي على حياة القضية الفلسطينية ونبضها يقوم على المدرسة والإعلام والمنابر السياسية والدينية وغيرها، ومعها الخطاب الرسمي على جموده؛ فعلامَ ستقوم بالنسبة للأجيال القادمة، إذ ربما تم سحب أي شيء له علاقة بالاحتلال، وربما أسمِّي الأمر كله رجوعَ بني إسرائيل إلى موطنهم الأصلي؟ وما اعتمادنا على إعلام يسوِّق لما هو عكس مجرى الإنسانية، وأبواق تسفسط التطبيع، وتروِّج لحبّ "أبناء العم"، وتجمِّل ما لا يجمَّل لعملية لا تزال تعجز القواميس عن وصف حقيقة وصفها، والعملية السياسية في غالب دول التعاون قد تمَّ تجريفها، فأصبحت قاعاً صفصفاً أو تكاد، والمنابر الدينية إما بالعة لسانها، وإما مروّجة لما يراه "وليّ الأمر".

لقد لعب الصهاينة لعبتهم التي استوت على نار أهدأ من الهادئة، لاعبين على عامل الزمن الذي يصبّ الآن صبًّا في صالحهم، فوجهوا الإعلام والاقتصاد والسياسة والمال كلها في اتجاه كسب هذه المعركة... وإلى الآن لاشك أنهم الكاسبون، ولكن الحرب لم تنته.