الشرق الأوسط أو «الشر... الأسط».. ألف مقال ومقال (5)

ليس دفاعًا عن الشيخ أحمد الخليلي!

د. مجدي العفيفي

(25)

أرأيتم؟! كم هي مفارقات ومتناقضات أكثر منها متقابلات وثنائيات، صحيح أن التعددية تثري الرؤي، وتوسع الآفق، والرأي الواحد لا يجدي، ولم يعد له وجود كمنظور للحياة والعالم والكون، إلا أن ثمة ثوابت لا ينبغي أن تطغى عليها المتغيرات، وإلا أصبحنا في حالة سيولة في الفكر والسياسة والحياة والمجتمع والثقافة وغير ذلك من المسارات.

هكذا قلت في نهاية مقالي الرابع من هذه السلسلة تمهيدا للحديث عن لمشهد الثالث من مشاهد كوميديا مأتم العزاء الذي دفعوهم للنواح فيه من أصابتهم لوثة الاحتجاج على إعادة مسجد كبير إلى أصله، وأشرت إلى أن بطل المشهد الثالث هو سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة، الذي ألقي القفاز في وجوه الذباب والبعوض والحشرات الإكترونية المنبعثة ممن يفترض أنهم أبناء الأمة الإسلامية، وقد تفوقوا في الردح ضده والهجوم عليه، على طريقة نساء الحارات الشعبية صاحبات «الملاءات اللف» من السوقة والرعاع، ردح وسباب وانحطاط يمثل بقايا أخلاق أقل ما توصف بأنها وضيعة!

هؤلاء وإن كانوا لا يمثلون جناح بعوضة في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنهم يصدق عليهم بيت شعر متوحش للشاعر نزار قباني "ما دخل اليهود من حدودنا وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا".

ليس الصهاينة فقط أيها الشاعر؛ فالمنافذ الحصينة والنوافذ المحرمة قد انتهكها الغرب الانتهازي من جديد، وهذه المرة ليس بالسلاح والعسكر المرتزقة، بل بأخطر من ذلك وأكثر وحشية واكثر اختراقا وأكثر دموية وامتصاصا لدماء البشر في شرقنا العظيم.

وما حدث من ضجة وضجيج وصراخ وعويل من قبل «حبايبنا» أصحاب الأبواق المفعول بهم وفيهم لغسيل شرفهم وعروبتهم وشرقيتهم وأموالهم وأنفسهم وأولادهم، لصالح تلك الجهات الغربية، كل هذه الضجة سقطت بأصحابها في جب الازدراء.

(26)

انتهت عاصفة البلهاء والجهلاء والسفهاء لا سيما هؤلاء التائهون في الأرض والفكر ضد سماحة المفتي الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، كشفت هذه العاصفة التي هي زوبعة في فنجان مقلوب، كمية من الحقد والسفه داخل النفوس المريضة.

أعرف الشيخ عن كثب منذ أكثر من أربعين عاما، شخصا وشخصية، وأشهد أن عنوانه الفكري والذاتي والموضوعي هو «الحق الدامغ»؛ الحق وصولا إلى الحقيقة.

رجل مواقف، ثوابته لا يحيد عنها مهما كانت المتغيرات!

عندما اعتزمت السفر إلى مسقط عام 1984، حدث أن التقيت بالعالم الجليل فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر د. عبد الحليم محمود، رحمه الله رحمة واسعة، وأوصاني بالقرب من الشيخ أحمد الخليلي، وقال لي إنه «أحد ثلاثة حفاظة للقرآن الكريم في العالم الإسلامي، كن معه فهو عالم».

وقد حدث، إذ اقتربت منه بحميمية ليس فقط كصحفي بل أيضا كمحب، عشرات الحوارات والأحاديث أجريتها معه وعشرات القضايا أثرته وجادلته وتجادلت معه حول قضايا كثيرة تنشب أظافرها في عالم اليوم.

أُشهد الله، والله على ما أقول شهيد، أن هذا العالم لم يدخل في خصومة ذاتية مع أحد، ولم يسِئ لأية جهة خارجية، رغم أن حقبة السبعينيات والثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي كانت مشحونة بالتوترات على كافة الأصعدة، ومسكونة بالتحديات الإقليمية والدولية، سياسيا وعسكريا واقتصاديا ومجتمعيا ودينيا.

(27)

زوبعة في فنجان مقلوب، سكت القطيع، وصمت قهرا، مجرد ثرثرة ذبابية إلكترونية لقيطة أيضا، عادوا جحورهم، وبقى ويبقى الشيخ شامخا بعلمه وعمله، وصدق قول الإمام الشافعي في مثل هذا السياق:

يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ

فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا

يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلماً

كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ طيبا

هاجموا الشيخ هجوما ضاريا، من أجل ماذا؟ ألأنه قال:«نهنئ أنفسنا ونهنئ الأمة الإسلامية جميعًا، ونخص بالتهنئة الشعب التركي المسلم الشقيق الأصيل وعلى رأسه قائده المحنك رجب طيب أردوغان برده معلم آيا صوفيا من جديد إلى بيت من بيوت الله التي أذن الله أن تُرفع ويذكرَ فيها اسمُه، يُسَبَّحُ له فيها بالغدو والآصال»؟

ألأنه قال: كانت هذه خطوة موفقة من هذا الشعب المسلم البطل وقائده المغوار إذ لم يثنهم ضجيج نعاق الناعقين من الحاقدين على الإسلام المتآمرين عليه عن المضي قدما في رد هذا المعلم إلى ما كان عليه منذ عهد السلطان المظفر المنصور محمد الفاتح وإلى آخر عهد لسلاطين آل عثمان، حيث كان تقم فيه شعائر الدين وتنطلق منه دعوة الإسلام ببينة من شرع الله تعالى»... «حتى جاء عهد الذين عبثوا بمقدسات الدين وانتهكوا حرماتها، فتلاعبوا بهذا المعلم كما تلاعبوا بغيره»... «حتى جاء عهد الذين عبثوا بمقدسات الدين وانتهكوا حرماتها، فتلاعبوا بهذا المعلم كما تلاعبوا بغيره». وأضاف: «فهنيئا لك أيها الشعب الأصيل في إسلامك ولقائدك هذه الخطوة الشجاعة»؟

ألأنه قال: «إنا لنشكر الأمة الإسلامية بجميع فئاتها على مشاركتها في الابتهاج والاحتفاء برجوع آيا صوفيا إلى كنف الإسلام بعدما رزئت بحرمانها من أذان المؤذنين من فوق مآذنها، ومن سبحات الركع السجود في محرابها، فلبست الحداد على ذلك زهاء قرن من الزمن، وإذا بها الآن تخلع ملابس الحداد السوداء الحالكة، وتستبدل بها حلل العرس الزاهية وزينته المتلألئة برجوعها إلى عهدها الأول عهد الأذان وإقامة الصلوات وترتيل كتاب الله في صحنها المبارك»؟

ألأنه قال: «كانت وقفة الأمة إيذانا بفرحة كبرى تستقبلها عما قريب- إن شاء الله- وهي الاحتفاء بعودة المسجد الأقصى المبارك إلى الأيدي المسلمة الطهور، ورفع يد الاحتلال عنه على رغم المحتلين، ومن يواليهم من المارقين، الذين يقلقون من أي قائمة تقوم للإسلام»؟

(28)

بالله عليكم ماذا في هذه الكلمات المضيئة الصادقة الصادرة عن نفس مؤمنة؟ هل تعرض لأحد تلميحا أو تصريحا من هذا القطيع؟ هل رأيتم بعدًا شخصيا شخصن الموضوع؟

ألف هل. وألف ماذا؟

(29)

تم افتتاح مسجد آيا صوفيا، ورفع ألوف الركع السجود فيه اسم الله.. والله أكبر، واسودت وجوه المغرضين الشتامين الحاقدين التهائهين، وباتوا أكثر ضآلة من إبليس في موسم الحج. وقد تم رجمهم بجمرات الفرحة "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"، التوبة: (18).

وليكبر الأمل الإسلامي الأكبر في نفسي ونفسك ونفوس ملياري مسلم في أرجاء العالم يتحقق، تتعاظم البشارة الكبرى بتحربر المسجد الأقصى واستعادة حريته وكسر قيود أسره من النفايات الصهيونية التي تغتصبه.

وداعا للعزلة الإسلامية الوهمية التي يروج لها الغرب القبيح وأبواقه في المنضقة منذ عقود وعقود، بلا حياء أو خجل!

(30)

الدين كله في الشرق، الرسالات السماوية كلها تنزلت في جنبات الشرق، الأنبياء والرسل كلهم من أبناء الشرق، الحضارات الإنسانية نبعت في الشرق، الفن والجمال والسر والسحر والروح يتجلى في الشرق، الشرق مصدر غزير وعزيز للإلهام.

وصدق الله العظيم: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ...

وإلى لقاء قادم إن كان في العمر بقية.