الطبيب

 

 

جيهان رافع

يقول المثل التشيكي: "حيث لا تذهب الشمس يذهب الطبيب"، وقال سقراط: "ينبغي للعالم أن يخاطب الجاهل مخاطبة الطبيب للمريض".

الطبيب يد من رحمة الله امتدَّت للأرض؛ فكثيراً ما نتذكر ونعلم أنَّ الحروب والأوبئة والأمراض تدمِّر الصحة الجسدية والنفسية للإنسان، ورحمة الله تمتد بيد الطبيب لإنقاذه إن كُتب له العمر، ولا شكّ أننا على قناعة أن الطبيب الناجح هو القريب في روحه من قلوب المرضى، يشعر المريض دائمًا أنه بحاجة لأدوية كي يسلم من شرور المرض، والقليل من الأطباء الذين أختصَّهم الله بأرواحٍ جميلة تعلم جيدًا متى تُدخل الطمأنينة والسكينة لأرواح مرضاهم، ومن هنا نتذكر ما قاله ابن سينا: "الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء".

وهناك قول آخر لمصطفى السباعي: "أشد الآلام على النفس الآلام التي لا يكشفها الطبيب ولا يستطيع المريض التحدث عنها" وهنا يخصُّ بالذكر هذه الآلام الروحية المتوارية خلف آلام الجسد تختبئ في أعماق الصمت، وعدم البوح بها حتى تتحول مع مرور الزمن إلى أمراضٍ وأسقامٍ ربما تكون مستعصية على قدرات الطبيب العادي اكتشاف أسبابها وعلاجها، كي يتوصل إلى حلّ جذري لها، وإذا منح الله الطبيب هذه المقدرة، هنا تتدخل العناية الإلهية لمداواة المريض؛ فنتذكر قول إحسان عبد القدوس: "لا شيء أمتع في حياة الطبيب من لحظات غروره وثقته بنفسه عندما ينجح في علاج حالة ما".

وفي كتاب "فاكهة السبيل" لراشد بن عُميرة الرستاقي، الطبيب العماني الذي شرح فيه نظريات المؤسسة الطبية؛ حيث أكّد على الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الطبيب مع مرضاه. واستقصى المعلومات حول الأجنّة والتشريح والصيدلة وعدد طبائع الأغذية والأدوية ومنافعها وأضرارها على الإنسان. ومن هنا، عندما نعود إلى تاريخ الطب عند العرب نجد أنهم أكدوا على الأخلاق والإنسانية قبل الغاية الماديّة، فُوضعَت بعض المؤلفات الطبية العُمانية على هيئة قصائد وأراجيز، ثم قاموا بشرح تفاصيل غاياتهم العلمية والطبية منها، ويعود ذلك إلى ما تمتعوا به من أخلاقٍ فقهية ولغوية، ونذكر منهم: "راشد بن خلف" الذي اشتهر بمؤلفاته حول الطب، وابتكاره لآلة الوسم، وبعض المعدات الطبية للجراحة التي كانت في بدايات طريقها للوصول بالمريض إلى السلامة؛ حيث قام بأهم عملية جراحية لامرأة عام 995هـ.

والطبيب خميس بن سالم بن درويش، والطبيب أبو محمد بن محمد الأزدي الصحاري، الذي اشتهر بتأليف معجم طبي اسمه "الماء".

ونجد أيضًا في تاريخ الطب عند العرب أمثال أحمد الخياط، الذي اختصَّ في علم المصل والجراثيم، وأسس أول مخبر في سوريا؛ حيث طبع له المعهد الطبي آنذاك كتابيْ: "علم الجراثيم" و"فن الجراثيم".

والآن.. كم نحتاج من الكلمات كي نصوغ بعضًا من ذهب الرسائل كتقدير للطبيب في زمننا هذا، الذي أثبت وجود الجيش الأبيض على ساحة القتال مع هذا اللا كائن المجهري، ومنهم من قدَّم روحه فداءً لسلامتنا، ومنهم من قدم أوقاته الثمينة التي لم تخلُ من حالاتٍ نفسية عصيبة مرّت عليه ومعاناة لم يبح بها لأحد، وربما لم يجد في كثير من الأيام سبيلًا لبعض الراحة الجسدية والنفسية، وهذا امتد على مدى الكثير من الرعب والقلق والصمود والاجتهاد، وأيضًا لن ننسى الأضرار النفسية التي لحقت بعوائلهم أثناء ابتعادهم عنهم جسديًّا في أوقات عملهم واستنفارهم، ونفسيًا أثناء تواجدهم معهم في نفس المنزل؛ لأنهم كانوا على أهبة الاحتمالات في إصابة ما، فقرروا الابتعاد لحمايتهم من العدوى، وكم كانوا بحاجة لمساندة روحية ولم يسمحوا لأنفسهم بطلبها.

نعم.. إننا لا نعلم قيمة الشخص إلَّا عند حاجته بأصعب الأوقات أو عند فقدانه!! ولم نكن على علم ببسالة أولئك الجنود من الجيش الأبيض إلّا عندما غفت عيوننا، ولم تغفل عيونهم.

فسلام عليهم ولهم السلام...،