حمد بن سالم العلوي
لقد برَّأت وزارة الصحة نفسها من مسؤولية توضيح الطريقة التي ينتقل بها مرض كورونا، وإنَّ الذي تبقَّى على النَّاس أن يلتزموا الطرق السليمة التي تحفظ حياتهم وسلامتهم "وما على الرسول إﻻ البلاغ المُبين" وإننا لنشهد أنَّ للجنة العليا المكلفة بمتابعة جائحة كورونا قد بلَّغت النَّاس، وإنَّ الذين يديرون هذه اللجنة هم بشر مثلنا، فكيف فهموا هم الخطر وتجنبوه وسعوا إلى تجنيب غيرهم له؟! ونحن بشر مثلهم ولم نستطع تجنيب أنفسنا وأهلنا مخاطر هذه الجائحة برغم تعليمهم لنا!! إنَّ الفارق يتجاوز الفهم إلى الاقتناع، فكلنا نفهم مع وجود بعض الفوارق، وهذه حكمة ربانية لتجعلنا نحتاج إلى تعاون بعضنا مع البعض الآخر.
ولكن المُشكلة تكمن في خصوصية اﻹنسان مع نفسه، فهناك من يُريد من ذات نفسه تحمل المسؤولية الذاتية، وقد يتجاوز الأمر إلى الطموح في تحمل مسؤولية الجماعة، أو حتى الرغبة في قيادتهم، وهذه مرحلة مُتقدمة من تحمل المسؤولية، وهناك الغالبية العظمى في المجتمع، ﻻ يُريد أحدهم تحمل مسؤولية حمل مفتاح باب غرفته التي ينام فيها، وهذه قمة السلبية في التهرّب من المسؤولية الذاتية، فلذلك نُصبح مرتعاً خصباً للأمراض والجوائح، وليس في الأمراض التي تأتي خلسة وحسب، وإنما في حوادث المرور التي نسعى إليها بإهمال وسذاجة، وحتى نبرئ النفس من المسؤولية، فتجدنا نسمي إهمالنا بأنَّه أمر مكتوب علينا، وأنه قدر الله علينا وهو حكم القضاء والقدر الذي لا مفر منه .. وهذا ربما صحيح، ولكن القضاء والقدر له حكم شرعي واشتراطات لوقوعه.. فهل عرفنا تلك الاشتراطات؟!
فإنَّ القضاء والقدر إذا وقع فلا محالة من وقوعه مهما اتخذ اﻹنسان من أسباب الحيطة والحذر، لأنَّ الحكم اﻹلهي يأتي بطريقة القهر فلا مفر منه برغم الحذر، أما ما كان من المُمكن تفاديه ببعض الضوابط والإجراءات البسيطة والسهلة، فلا يسمى قضاءً وقدراً، وإنما يسمى باﻹهمال عينه مع مرتبة اﻷسف الشديد في الغباء للذي يلقي بالنفس في مهاوي الردى، وهنا يصبح من الواجب على (ولي اﻷمر) وهو المتمثل في "الحكومة" تأديب من به سماجة وسذاجة وعسر فهم.
إنَّ الساعين إلى كورونا بإهمالهم، وعدم أخذ الحيطة والحذر، كمن يلقي بيده إلى التهلكة، فيرتكب مجازفة كبرى، وهو يعلم أنَّ الخروج من قبضة كورونا ليس بالأمر السهل، فعلاوة على الشقاء الذي يسببه للكادر الطبي، فهذا الكادر الذي بذل جهداً أكبر من طاقته، فقد أوهنه إصلاح أخطاء الآخرين، وهو يعمل كمن يعجن "بطحاة" نظراً إلى عدم توفر العلاج الطبي المناسب إلى هذا التاريخ.
ترى إلى متى سنظل نسير على حافة الهاوية؟! وقد حُذِّرنا منها وفي نفس الوقت نرى ونسمع عن حجم الكارثة في داخل عُمان، وفي الجوار، وحول العالم أجمع، ومع ذلك لانُعط بالاً لهذه الخطورة الكبيرة!!
إنَّ مشكلة كورونا يكمن ثقلها اﻷكبر في المدن الرئيسية حيث تتزاحم الأقدام على الأرزاق، ولقد تعاطت اللجنة العليا معنا بالتدرج، فمنه وقاية وأكثره تعليم، وكذلك تعويد على التعامل بحكمة مع هذا الوباء، وكان الأسهل لها أن تُعلن حظر التجول في هذه المدن، ولكن أرادت أن تُعلِّم الناس التقية من الجائحة، وعدم توقف الناس عن السعي وراء أرزاقهم اليومية، ولكن النَّاس بين مشكك في المرض وبين مهمل له، ويرددون مقولة "لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" ويظهرون هنا قوة إيمان بهذه الجزئية، ويضعف إيمانهم في الجوانب التي تحتاج إلى جهود وإجراءات، وقد يتناسون عمداً قوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وقوله: خذوا حذركم.
إذن على المرء أن يأخذ بالأسباب"والحذر من الأمراض" والنجاة بالنفس، ونجاة الأهل والمجتمع، لأنَّ هذه الجائحة الكونية ماكثة بيننا حتى يكتشف مصل لها يُجنبنا حدِّتها، وعلاج يشفي مرضاها، وإن علينا أن نقبل بالموت جوعاً وبمرض كورونا، أو التعايش مع الوباء بحذر، والوقاية من كورونا سهلة وغير مكلفة وﻻ معقدة، كلما في الأمر الحذر بغسل اليدين بالماء والصابون أو المطهّر، ولبس الكمام "اللثام" وعدم تلامس الأجساد مع اﻵخرين، فقد يكون بعضهم يحمل وباء كورونا بغير علم منه، وكل هذه الإجراءات بمقدور كل فرد من النَّاس فعلها.
اللَّهُم احفظ وطننا عُمان وشعبها الأبيِّ وسلطانها الأمين من الأمراض والأوبئة وكافة بلاد المسلمين.